وأما صلتها بسياق المقطع، فإنها تتحدث عن وضع معكوس لا يجوز، فبدلا من أن ينصر المسلم الله بمعاداة من يكره تنزيله، نجد مسلمين يطيعون من يكره تنزيل الله ويوالونهم، كهؤلاء المرتدين.
٥ - [الأمراض الخمسة التي تنشأ في المجتمع الإسلامي وأسبابها]
وبما ذكر في الآيات الأخيرة يكون المقطع قد أشار إلى خمسة أمراض تنشأ في المجتمع الإسلامي وعلّل لوجود كل:
١ - عدم الفقه للحق وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ... ٢ - عدم التجاوب مع الجهاد رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ .... ٣، ٤ - قطيعة الرحم، والإفساد في الأرض كأثر عن ترك الجهاد ٥ - إعطاء الطاعة للكافرين، وكل ذلك أثر عن أمراض القلب. ومن ثمّ تحدثنا الآيتان اللاحقتان عن مرضى القلوب وعن سنّة الله في كشف أضغانهم وطريق ذلك.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي: نفاق أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ أي: أحقادهم قال النسفي: والمعنى: أظنّ المنافقون أن الله تعالى لا يبرز بغضهم وعداوتهم للمؤمنين؟ وقال ابن كثير:(أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعبادة المؤمنين؟ بل سيوضّح أمرهم ويجلّيه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة، فبيّن فيها فضائحهم، وما يعتمدون من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا كانت تسمّى الفاضحة، والأضغان: جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله، والقائمين بنصره،
ثمّ بيّن الله عزّ وجلّ طريق كشف المنافقين، وهو إما سيماهم، وإما لحن قولهم وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ أي: ولو نشاء لعرّفناكهم ودللناك عليهم فلعرفتهم كشفا بعلاماتهم التي تظهر على سيما وجوههم كأثر من انعكاس ظلام قلوبهم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ أي: في نحوه وأسلوبه من فحوى كلامهم، لأنهم لا يقدرون على كتمان ما في أنفسهم. قال ابن كثير: (أي فيما يبدو من كلامهم الدالّ على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول). أقول: لعل المراد بلحن القول فلتات اللسان، فالإنسان يحرص أن يكون كلامه فصيحا فيخطئ ويلحن، وهؤلاء يحرصون على أن لا تعبر ألسنتهم في قلوبهم فيخطئون، فيظهر على ألسنتهم خلاف ما يريدون مما يؤدي إلى انكشافهم، وقد علّق الله عزّ وجل