بمناسبة قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ قال صاحب الظلال:(إن معجزة القرآن معجزة مفتوحة للأجيال وليست كالخوارق المادية التي تنقضي في جيل واحد، ولا يتأثر بها إلا الذين يرونها من ذلك الجيل.
ولقد كان به ذكر العرب ومجدهم حين حملوا رسالته فشرقوا بها وغربوا، فلم يكن لهم قبله ذكر، ولم يكن معهم ما يعطونه للبشرية فتعرفه لهم وتذكرهم به. ولقد ظلت البشرية تذكرهم وترفعهم طالما استمسكوا بهذا الكتاب، وقادوا به البشرية قرونا طويلة، فسعدوا وسعدت بما معهم من ذلك الكتاب. حتى إذا تخلوا عنه تخلت عنهم البشرية، وانحط فيها ذكرهم، وصاروا ذيلا للقافلة يتخطفهم الناس، وكانوا بكتابهم يتخطف الناس من حولهم. وهم آمنون.
وما يملك العرب من زاد يقدمونه للبشرية سوى هذا الزاد ... فإن تقدموا للبشرية بكتابهم ذاك عرفتهم وذكرتهم ورفعتهم، لأنها تجد عندهم ما تنتفع به. فأما إذا تقدموا إليها عربا فحسب بجنسية العرب، فما هم؟ وما ذاك؟ وما قيمة هذا النسب بغير هذا الكتاب؟ إن البشرية لم تعرفهم إلا بكتابهم وعقيدتهم وسلوكهم المستمد من ذلك الكتاب. وهذه العقيدة .. لم تعرفهم لأنهم عرب فحسب. فذلك لا يساوي شيئا في تاريخ البشرية، ولا مدلول له في معجم الحضارة! إنما عرفتهم لأنهم يحملون حضارة الإسلام ومثله وفكرته. وهذا أمر له مدلوله في تاريخ البشرية ومعجم الحضارة!
وذلك ما كان يشير إليه القرآن الكريم، وهو يقول للمشركين، الذين كانوا يواجهون كل جديد يأتيهم منه باللهو والإعراض والغفلة والتكذيب: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
[كلمة في السياق]
رد الله عزّ وجل في هذه المجموعة على أقوال الكافرين واقتراحاتهم ووعظهم وذكرهم، بتسلسل واضح رأيناه أثناء العرض والتفسير، وقد رأينا فيما مر معنا نموذجا على كون هذا القرآن (ذكرا) وهو المعنى الذي ورد في الآية الثانية من السورة ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فالقرآن ذكر يذكر بالله قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ والقرآن ذكر يذكر الإنسان ويعظه وَكَمْ