وصلت إلى ثقل نوعي معيّن (راجع إينشتاين من سلسلة اقرأ) وهذا كله ضمن عالم المادة، فكيف بعالم الغيب، فما أجهل من يكفر، وما أحمق من يرفض الإيمان بما يقوله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن قامت الأدلة على صدق رسالته.
ولنعد إلى السياق فبعد أن ردّ الله على هؤلاء المكذبين المتعنتين عزّى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أي: فأحاط بهم الشئ الذي كانوا يستهزءون به وهو الحق، حيث أهلكوا من أجل استهزائهم.
وبهذا انتهت المجموعة الأولى من المقطع الأول بعد أن بيّنت لنا طرفا من مواقف الكافرين وطبيعتهم واقتراحاتهم، وتأتي الآن المجموعة الثانية ويتوجه فيها الخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلفظة (قل) ليردّ ويعالج ويعلن وهذه هي المجموعة الثانية:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبّه، على ذلك بثم؛ لتباعد ما بين الواجب والمباح، ونفهم من الآية أنّ النظر في مصارع المكذبين دواء، ويأتي الآن الدواء الثاني، فقد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يسألهم
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ أمره أنّ يسألهم ويجيب، وفي ذلك إشارة فكأنه قال: لا خلاف بيني وبينكم على هذه الحقيقة، وأنكم لا تقدرون أن تنسبوا من المخلوقات شيئا إلى غيره، هذه هي الحقيقة الأولى، والحقيقة الثانية هي: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أصل معنى كتب: أوجب، ولا يجب للعبد على الله شئ في الأصل، وإنما المراد أنه وعد وعدا مؤكدا وهو منجزه لا محالة، وذكر النفس بهذه الصيغة يفيد الاختصاص ورفع الوسائط، ولمالكيته للسماوات والأرض ولكتابته على نفسه الرحمة فإنه أقسم لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ. أي لا شك فيه أي في هذا اليوم، أو في هذا الجمع، وقد فهمنا: أن إيجاد هذا اليوم هو أثر مالكيته ورحمته وهذا معنى سنراه كثيرا إذ أن من عرف أسماء الله وصفاته يدرك أنّ اليوم الآخر بديهي الوجود، كأثر عن هذا الجلال والكمال الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. أي: الذين خسروا أنفسهم يوم القيامة باختيارهم الكفر، هم الذين لا يؤمنون بهذا اليوم، ولا يخافون شر ما يصيبهم فيه، قرّر مجئ اليوم الآخر وخسارة الكافرين فيه بعد تقرير مالكيته ورحمته،