سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ:(وهكذا في بساطة وصراحة عرض الرجل إحدى ابنتيه من غير تحديد- ولعله كان يشعر كما أسلفنا- أنها محددة، وهي التي وقع التجاوب والثقة بين قلبها وقلب الفتى. عرضها في غير تحرج ولا التواء. فهو يعرض نكاحا لا يخجل منه، يعرض بناء أسرة وإقامة بيت وليس في هذا ما يخجل. ولا ما يدعو إلى التحرج والتردد والإيماء من بعيد، والتصنع والتكلف مما يشاهد في البيئة التي تنحرف عن سواء الفطرة وتخضع لتقاليد مصطنعة باطلة سخيفة، تمنع الولد أو ولي الأمر من التقدم لمن يرتضي خلقه ودينه وكفايته لابنته أو أخته أو قريبته، وتحتم أن يكون الزوج أو وليه أو وكيله هو الذي يتقدم، أو لا يليق أن يجئ العرض من الجانب الذي فيه المرأة، ومن مفارقات مثل هذه البيئة المنحرفة أن الفتيان والفتيات يلتقون ويتحدثون ويختلطون ويتكشفون بعضهم لبعض في غير ما خطبة ولا نية نكاح. فأما حين تعرض الخطبة أو يذكر النكاح، فيهبط الخجل المصطنع، وتقوم الحوائل المتكلفة وتمتنع المصارحة والبساطة والإبانة.
ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت النساء تعرض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم أو من يرغب في تزويجهن منهم. كان يتم هذا في صراحة ونظافة وأدب جميل، لا تخدش معه كرامة ولا حياء .. عرض عمر- رضي الله عنه- ابنته حفصة على أبي بكر فسكت، وعلى عثمان فاعتذر، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا طيب خاطره عسى أن يجعل الله لها نصيبا فيمن هو خير منهما. ثم تزوجها صلى الله عليه وسلم وعرضت امرأة نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذر لها. فألقت إليه ولاية أمرها يزوجها ممن يشاء. فزوجها رجلا لا يملك إلا سورتين من القرآن، يعلمها إياهما فكان هذا صداقها.
وبمثل هذه البساطة والوضاءة سار المجتمع الإسلامي يبني بيوته ويقيم كيانه. في غير ما تلعثم ولا جمجمة ولا تصنع ولا التواء).
[فوائد]
١ - ذكر ابن كثير بسند صحيح إلى عمر بن الخطاب أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، قال فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فإذا هو بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما؟