للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنذارا بينا بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل، ثم أنتم أعلم بشأنكم، وفي ذلك كله دروس بليغة للدعاة إلى الله، فإن كثيرين يحرصون أن ينفض الناس عن الدعاة من خلال إيجاد هوة بين الداعية والمستجيبين له، وإن كثيرين يطالبون أن يعرض الدعاة عن الأتباع الفقراء، أو الضعفاء جسما أو عقلا أو سلوكا، وواجب الأتباع أن لا يخدعوا، وواجب الدعاة ألا يفعلوا، فمهما كانت ظواهر الخلق إليهم منقادة فعليهم قبولها، ومحاولة تزكيتهم، وهذا شئ وأن يخدع الداعية شئ آخر

قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي لئن لم تنته من دعوتك إيانا إلى دينك لتكونن من المقتولين بالحجارة. وتلك عادة أعداء الله: أنهم يلجئون إلى التهديد في النهاية لثني الدعاة إلى الله عن دعوتهم،

وهنالك دعا نوح عليهم قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ أي في وحيك ورسالتك

فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً أي فاحكم بيني وبينهم حكما.

قال النسفي: والفتاحة: الحكومة، والفتاح: الحاكم لأنه يفتح المستغلق، كما سمي فيصلا؛ لأنه يفصل بين الخصومات وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من عذاب عملهم إذا عاقبتهم

فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي في السفينة المملوءة بالأمتعة والأزواج

ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ أي بعد إنجاء نوح ومن آمن الْباقِينَ من قومه

إِنَّ فِي ذلِكَ الإهلاك والإنجاء لَآيَةً أي لمعجزة ودلالة واضحة على الله عزّ وجل، وعلى صدق الرسل، وعلى صحة دعوتهم وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ مع قيام الدليل والحجة

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ أي المنتقم بإهانة وإهلاك من جحد وأضر الرَّحِيمُ أي المنعم بإعانة وإنجاء من وحد وأقر.

...

[كلمة في السياق]

وهكذا عرض الله عزّ وجل علينا آية من آياته في قصة نوح وقومه، إذ كانت له العاقبة، وكان لهم الهلاك، وفي ذلك معجزة شاهدة على صدق الرسل فيما يقولونه عن الله، فليعرف ذلك الناس، وليحذر من يكذب محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانظر صلة ذلك كله بالآية التي هي محور سورة الشعراء من سورة البقرة: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>