السحر، ومن ثم صدر الحكم عليهم بالكفر بهذا السبب مع أنهم كفار في الأصل، يفهم من ذلك أن السحر الذي هو سحر يلازمه الكفر. وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ للمفسرين في (ما) من قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ مذهبان: الأول أنها نافية، والثاني على أنها اسم موصول، وعلى أنها نافية يفهم النص مجموعة فهوم، وعلى أنها اسم موصول يفهم النص مجموعة فهوم، وسنعقد لذلك فصلا أما الآن فنقول: إن إحدى الاتجاهات الرئيسية في النص: أن هذين ملكان أنزلهما الله- عزّ وجل- ليعلما الناس السحر ليستطيعوا أن يفرقوا بين السحر والمعجزة، ومن ثم فإنهما كانا يقولان لمن يتعلم إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ بأن تعمل بالسحر وتسحر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ. أي: فيتعلم الناس من هاروت وماروت من علم السحر ما يتصرفون به فيما يتصرفون من الأفاعيل المذمومة ما إنهم ليفرقون به بين الزوجين مع ما بينهما من الخلطة والائتلاف، وسبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر سوء منظر، أو خلق أو بغضة أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة، والمرء هو الرجل وتأنيثه امرأة ويثنى كل منهما ولا يجمعان وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. أي: وما هم بضارين بالسحر أحدا إلا بعلم الله ومشيئته وقضائه وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ. أي: يضرهم في دينهم وأخراهم وليس له نفع يوازي ضرره أصلا. دل ذلك على أن تعلم السحر ضرر محض
قال النسفي: وفيه دليل على أنه واجب الاجتناب كتعلم الفلسفة التي تجر إلى الغواية. أقول: المطالعة في كتب الفلسفة حرام على من ليس عنده مناعة ضدها، وهذا بحث يقتضي فصلا وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. أي:
ولقد علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن فعل فعلهم ذلك أنه ما له في الآخرة من نصيب، فالخلاق هو النصيب وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. أي: ولبئس البديل ما استبدلوا به من السحر عوضا عن الإيمان ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لو كان لهم علم بما وعظوا به، ولكنهم لا علم عندهم، إنما نفى العلم عنهم مع إثباته لهم بقوله وَلَقَدْ عَلِمُوا لأن معناه لو كان عندهم علم يعملون به، جعلهم حين لم يعلموا بعلمهم كأنهم لا يعلمون
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. أي: ولو أنهم آمنوا بالله ورسله والقرآن، واتقوا الله باجتناب المحارم وترك ما هم عليه من نبذ كتاب الله، واتباع كتب الشياطين، لكان ثواب الله خيرا لهم مما هم فيه، فالمثوبة الثواب، وقد حكم عليهم بالجهل بقوله لَوْ