للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا أي: ليسخّر بعضهم بعضا في الأعمال؛ لاحتياج هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا. وفي كتابنا (الإسلام) عند الكلام عن نظام الملكية في الإسلام تحدثنا عن حكمة ذلك في الحياة فليراجع. إنّ النّاس لو كانوا متساوين في كل شئ لتهدّمت المصالح والمنافع؛ إذ الجميع في هذه الحالة صالحون للرئاسة، والجميع صالحون للسيادة، والجميع صالحون للقيادة، فيصبح الجسم البشري مجموعة رءوس.

وكيف تقوم حياة الجسم البشري بلا قلب ولا أطراف ولا خدمات. وفي الحياة الاقتصادية لا بد أن يوجد التفاوت الناشئ عن التفاوت في الخلقة: فهذا نشيط، وهذا كسلان، وهذا بصير في أمر التجارة، وهذا لا يدرك من أمورها شيئا، ولو أنك وزعت الأموال على الناس بالتساوي ثم تركتهم يعملون سنة لوجدت التفاوت قد عاد، ولو أنك أرجعت الأمر إلى المساواة لتعطّل العمل؛ إذ عند ما نأخذ من النشيط لنعطي الكسلان، يزداد الكسلان كسلا ويترك النشيط العمل، ومن ثم كانت سنة الله التفاوت، ولكن شريعته عزّ وجل هي التي تعدّل هذا التفاوت فلا يشتط ولا يزداد بحيث تصبح رءوس الأموال بأيد قليلة، فالنظام الاقتصادي في الإسلام لا يبقي أحدا في المجتمع إلا وهو في حالة طيّبة، وبالإسلام لا تقوم في المجتمع علاقات ظالمة. كل هذا وغيره رتّبته الشريعة. ثم قال تعالى: وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أي: النبوة، أو دين الله، وما يتبعه من الفوز في المآب خير مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا، وفي ذلك توجيه للمسلم ألّا تميل عينه عن الحق بسبب رفاهية الكافرين، ولا يعني هذا أنّ المجتمع الإسلامي لا يكون في حالة رفاهية، بل يعني أنه إذا وجدت الرفاهية في المجتمع الكافر فلا ينبغي أن تميل عين المسلم عن الحق من أجلها. وكذلك إذا وجد بعض المترفين في المجتمع الإسلامي.

قال ابن كثير: (أي رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا) وفي هذا الذي قاله ابن كثير إشارة إلى أنّ الإنسان عليه أن يعتمد على الله ويتّكل عليه، وألّا يكون بما في يده أوثق منه ممّا في يد الله عزّ وجل.

ولمّا قلّل الله عزّ وجل أمر الدنيا وحقّرها أردفه بما يقرّر حقارتها عنده فقال: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال النسفي: أي ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه. وقال ابن كثير: أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال لَجَعَلْنا لحقارة الدنيا عندنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ أي: سلالم ودرجا من فضة عَلَيْها

<<  <  ج: ص:  >  >>