للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فوائد]

١ - أثبت الله عزّ وجل في الآية الأخيرة تفاضل الأنبياء. فما الجمع بين هذه الآية والحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: «استب رجل من المسلمين، ورجل من اليهود، فقال اليهودي في قسم يقسمه: لا والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده، فلطم بها وجه اليهودي فقال: أي خبيث. وعلى محمد صلى الله عليه وسلم. فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاشتكى على المسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تفضلوني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش. فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور؟. فلا تفضلوني على الأنبياء». وفي رواية: «لا تفاضلوا بين الأنبياء». قال ابن كثير:

(فالجواب من وجوه. أحدها: أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل. وفي هذا نظر ..

الثاني: أن هذا ما قاله من باب الهضم والتواضع. الثالث: أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر. الرابع: لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية. الخامس: ليس مقام التفضيل إليكم. وإنما هو إلى الله عزّ وجل.

وعليكم الانقياد، والتسليم له، والإيمان به).

٢ - إن أوسع المخلوقات مشيئة هو الإنسان. ومع ذلك فإن مشيئته مقيدة بعالم الأسباب، فهو لا يستطيع ألا يتنفس؛ وهو مقيد بقوانين هذا العالم؛ ومشيئته لا تنفذ إلا ضمن استطاعته التي أعطاه الله إياها، ومشيئته يمكن أن تعاكسها مشيئات الآخرين.

والذات الإلهية منزهة عن هذا كله، مشيئته تعالى غير مقيدة، ومشيئته نافذة.

ومشيئته لا يمكن أن تعاكسها مشيئات الآخرين، وإن من يتصور غير هذا يكون قد شبه مشيئة الله بمشيئة خلقه. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أنه لا شئ إلا بمشيئة الله. وهذه الآية تشهد بما لا يقبل جدلا على صحة هذا المذهب، ولكن كيف نجمع بين كون كل شئ بمشيئة الله وبين اختيار الإنسان. بين كون أفعال الإنسان بمشيئة الله، ومع ذلك فالله يحاسبه عليها؟. والجواب أن عموم المشيئة لا يتعارض مع الاختيار فالقاعدة أن مشيئة الله على وفق علمه، مع اعتقادنا أزلية العلم والمشيئة. والعلم كاشف، لا مجبر. فالله عزّ وجل علم، وأراد، والعلم كاشف لا مجبر فكون الله عزّ وجل علم ما سيفعله فلان بمحض اختياره، وأراده، وأبرزه بقدرته، فذلك شأنه، ولا يسأل عما يفعل. ولا يعني هذا أنه أجبر. فالإنسان مختار، يشهد على ذلك إرادته،

<<  <  ج: ص:  >  >>