هذا كله ندرك محل هذه المجموعة في سياق السورة وسياق القرآن.
...
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ أي ورث منه النبوة والملك. قال ابن كثير:(أي في الملك والنبوة، وليس المراد وراثة المال، إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه قد كان لداود مائة امرأة، ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة، فإن الأنبياء لا تورث أموالهم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة»). قال النسفي:(قالوا: أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث). وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ قال هذا تشهيرا لنعمة الله تعالى واعترافا بمكانها، ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير، قال النسفي:(والمنطق: كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد، وكان سليمان يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض) وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قال النسفي: المراد به كثرة ما أوتي كما تقول فلان يعلم كل شئ .. وليس التكبر من لوازم ذلك. وقال ابن كثير (أي مما يحتاج إليه الملك) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ أي الظاهر البين لله علينا قال النسفي: هذا قول وارد على سبيل الشكر كقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» أي أقول هذا القول شكرا ولا أقوله فخرا.
[كلمة في السياق]
قلنا إن آية المحور هي: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وقد جاءت هذه الآية بعد قصة طالوت التي ختمت بقوله تعالى: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ* تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ .. فعند
ما تأتي في هذه السورة قصة داود ووراثة سليمان له، فإن هذا يكون استمرارا لما قصه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من شأن داود قبل آية المحور، ففي هذه السورة آيات يتلوها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أنباء المرسلين ليعلمه من آدابهم، وليعطيه من دروسهم، ولذلك صلاته بآية المحور وسياقها، ومن مثل هذه الصلة التي رأيناها هنا ندرك بعض أسرار الوحدة القرآنية.