إذ هي في السماء، أو لا يصعد لهم عمل صالح، ولا تنزل عليهم البركة، أو لا تصعد أرواحهم إذا ماتوا كما تصعد أرواح المؤمنين إلى السماء، ويشهد لهذا الفهم الأخير النصوص، كما سنرى في الفوائد، فالآية على الفهم الأخير عودة إلى الحديث عما يكون للكافرين عند الموت وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الخياط والمخيط ما يخاط به: وهو الإبرة، وسم الخياط أي ثقب الإبرة، والجمل البعير أو الحبل الغليظ: وعلى هذا وهذا كثير من أئمة التفسير والمعنى: كما أنه لا يدخل الجمل
في ثقب الإبرة أبدا، كذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة أبدا وتشبيه دخول الجنة بالدخول في سم الخياط يشير إلى أن دخول الجنة يحتاج إلى تواضع، وأن الطريق إلى الجنة دقيق وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أي ومثل ذلك الجزاء الفظيع الذي وصفنا نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ أي الكافرين وجريمتهم التكذيب بآيات الله، والاستكبار عنها
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ أي فراش وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ أي أغطية جمع غاشية وهي الغطاء وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أنفسهم بالكفر،
وبعد أن فصل في مصير المكذبين المستكبرين بدأ يفصل في أمر المؤمنين وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي إلا طاقتها.
والتكليف: إلزام ما فيه كلفة ومشقة، فمن ظن أن الإسلام راحة جسد مطلقة فقد أخطأ الفهم ووهم، وذكر التكليف بقدر الطاقة بعد ذكر الإيمان والعمل الصالح؛ حتى لا يفهم فاهم أن دخول الجنة متوقف على ما لا يمكن عمله أُولئِكَ أي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي ماكثون فيها أبدا
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ أي من حقد كان بينهم في الدنيا، فلم يبتق بينهم إلا التواد والتعاطف، وهذا من تمام السعادة في الجنة، أنه ليس فيها إلا سلام حسي ومعنوي، ظاهري وباطني تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ لتتم لهم سعادة المنظر وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا أي لما هو وسيلة إلى هذا الفوز العظيم وهو الإيمان وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ أي وما كان يصح أن نكون مهتدين لولا هداية الله لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ يقولون ذلك سرورا بما نالوا، وإظهارا لما اعتقدوا، وفي كلامهم إشارة إلى أن إرسال الرسل لطف من الله بخلقه، واعتراف منهم بالفضل لأصحاب الفضل وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أي ونودوا بأنه تلكم الجنة أُورِثْتُمُوها أي أعطيتموها، سماها ميراثا لأنها لا تستحق بالعمل، بل هي محض فضل الله، ووعده على الطاعات، كالميراث ليس بعوض بل هو صلة خالصة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بسبب أعمالكم الصالحة، وفي الفوائد كلام عن هذا المقام، ومن تمام النعمة أن ترى خصم العقيدة في النار، وأن يراك في الجنة، وأن يطمع فيما أنت فيه الطامعون، ويأتي الآن حوار فيه مزيد من التفصيل عن حال أهل النار وأهل الجنة، وفيه عرض لنوع آخر من العذاب للكافرين، ونوع آخر من النعيم لأهل