أن يستخلفوا، فما كان جوابهم إلا أن قدسوه ونزهوه أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وأن يعلموا شيئا إلا ما علمهم فهو العليم بكل شئ، الحكيم في خلقه، وأمره، وفي تعليمه، وعطائه ما يشاء ومنعه ما يشاء، له الحكمة في ذلك والعدل التام ..
قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ أمر آدم أن يخبرهم بأسماء الأشياء كلها، فلما ظهر فضل آدم عليه السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء، ذكرهم بأنه جل جلاله يعلم الغيب الظاهر والخفي ويعلم ما يظهرونه في ألسنتهم وما كانوا يخفونه في أنفسهم، وما أظهروه هو قولهم: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها .. والذي كانوا يكتمونه هو ما كان منطويا عليه إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته ومن المعتاد تعميم الخطاب وإرادة البعض. هذا الذي رجحه ابن جرير.
وبعد أن أرى الله عزّ وجل الملائكة مزية آدم، أمرهم بالسجود له وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ هذه كرامة عظيمة من الله عزّ وجل لآدم امتن بها على ذريته حيث أخبر أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، والجمهور: على أن المأمور به وضع الوجه على الأرض. وكان السجود تحية لآدم عليه السلام في الصحيح، إذ لو كان لله تعالى لما امتنع عنه إبليس، وكان سجود التحية جائزا فيما مضى، ثم نسخ بشريعتنا، وإبليس من الجن بالنص وهو قول الحسن وقتادة، ولأنه خلق من نار والملائكة خلقوا من النور، ولأنه أبى وعصى واستكبر، والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يستكبرون عن عبادته، ولأن الله عزّ وجل قال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي ولا نسل للملائكة، ودخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، قال الحسن: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء، رواه ابن جرير، وعن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيرا فكان مع الملائكة يتعبد معها، فلما أمروا بالسجود لآدم سجدوا، فأبى إبليس فلذلك قال تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ (سورة الكهف)، وللمفسرين اتجاهات أخرى في هذا المقام ولا طائل في ذلك، وقد حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه الله