للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحبون أصنافا من دونكم، ولا يحبونكم هم. هذا بيان للخطإ حيث نبذل محبتنا لأهل البغضاء فنجعلهم بطانة وهم أعداء. وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ أي: بكل كتاب أنزله الله وبكل وحي، ليس عندكم في شئ منه شك ولا ريب. أما هم فمنافقون.

وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ الأنامل أطراف الأصابع، ويوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل، والبنان والإبهام، وعض الأنامل من الغيظ تعبير عن أشد الغيظ وأفظعه، فصار المعنى: وإذا لقوكم أظهروا لكم من الإيمان ما يطمئنكم إليهم، ويحببهم إليكم، وإذا فارقوكم، أو خلا بعضهم إلى بعض أظهروا أشد الغيظ والحنق عليكم. فإذا كان الأمر كذلك، تؤمنون بكتابهم، ويكفرون بكتابكم، ويضمرون لكم من الحقد والغيظ أفظعه، فأنتم أحق بالبغضاء لهم، فما بالكم تحبونهم؟ ففي الآية توبيخ شديد لنا على محبتنا لمن دوننا من أهل الكتاب، فضلا عن غيرهم. فكأننا في هذا الموقف أضعف منهم في حقنا، وهم أصلب منا في باطلهم. ثم علمنا الله الموقف الصحيح منهم فقال: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ أي: مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين، وبغيظكم ذلك منهم، فاعلموا أن الله متم نعمه على عباده المؤمنين، ومكمل دينه، ومعل كلمته، ومظهر عباده، فازدادوا غيظا إلى غيظكم حتى تهلكوا به. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد، والغل للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تأملون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، لا محيد لكم عنها، ولا خروج لكم منها. وهل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ هو من تتمة ما أمر الله رسوله والمؤمنين أن يقولوه لهم؟ أو هو تذييل للآية كلها؟ فإذا كان الأول فيكون معناه: وقل لهم إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم، وهو مضمرات الصدور. فلا تظنوا أن شيئا من أسراركم يخفى عليه. وإذا كان الثاني، يكون معناه: لا تتعجب مما أمرتك به، واعمل به، وكن واثقا مما أعلمتك به من حالهم، ومواقفهم منكم، فإني عليم بذات الصدور.

ثم بين الله- عزّ وجل- حالهم منا، بما يزيدنا بصيرة في أمرهم، وبما يقوي عزائمنا في أمرهم فلا نتخذهم بطانة بل أعداء، فقال: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ هذه حالهم الدالة على شدة عداوتهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المسلمين خصب، ونصر، وتأييد، وكثرة، وعزة، ساء غيرهم ذلك. فالمعنى إذن: إن تصبكم غنيمة، ونصرة، ورخاء، وخصب، يحزنهم ذلك، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها أي: وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>