لأن أصول النعم وفروعها منه، فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك عطاؤه، فمن أضاف إليه ولدا فقد جعله كبعض خلقه، وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن.
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً أي كل من في السموات والأرض من الملائكة، والناس والجن، إلا وهو يأتي الله يوم القيامة، مقرا له بالعبودية. والعبودية والبنوّة تتنافيان، حتى جعل الله من شريعته أن الأب لو ملك ابنه يعتق عليه فإذا كانت نسبة الجميع إليه العبودية فلا بنوّة
لَقَدْ أَحْصاهُمْ أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم وَعَدَّهُمْ عَدًّا أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة ذكرهم وأنثاهم، وصغيرهم وكبيرهم
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفردا بلا مال، أو بلا معين، ولا ناصر، وإذ كان هذا شأنه، وإذ كان كل الخلق هذا حالهم، فكيف ينسبون إلى الله الولد.
وهكذا عالجت السورة أهم قضايا الضلال بأسلوب التبشير والإنذار.
ثمّ تأتي آية تبشر المؤمنين ببشارة عظيمة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي مودة في قلوب العباد. قال ابن كثير:(أي يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة، وهذا أمر لا بد منه، ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غير وجه). وسنراها في الفوائد وبعد أن بشّر الله المؤمنين هذه البشارة، تأتي آية لتذكر أن حكمة إنزال القرآن هي التبشير والإنذار:
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ أي سهّلنا هذا القرآن بِلِسانِكَ أي بلغتك لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ المؤمنين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا أي قوما شدادا في الخصومة بالباطل ثم أنذرهم بآية أخيرة في السورة:
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ أي من أمة كفروا بآيات الله وكذّبوا رسله هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أي هل تجد أو ترى أو تعلم، إذ الإحساس الإدراك بالحاسة أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً أي صوتا خفيا أي لمّا أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى، ولا صوت يسمع، يعني هلكوا كلهم: فليحذر هؤلاء إن أعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك أن يصيبهم ما أصاب غيرهم. وهكذا أكّدت السورة أن هذا القرآن أنزله الله مبشرا ومنذرا، وأرتنا السورة أنواعا من التبشير، وأنواعا من الإنذار.