موسى فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ أي التقاتل والتهايج والفوضى، بحيث يذهب معه الأمن، وتتعطّل المزارع والمكاسب والمعايش، ويهلك الناس قتلا وضياعا، كأنه قال:
إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه، أو يفسد عليكم دنياكم، بما يظهر من الفتن بسببه قال ابن كثير: يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغيّر رسومهم وعاداتهم. وهذا كما يقال في المثل: صار فرعون مذكّرا يعني واعظا يشفق على الناس من موسى عليه السلام.
وَقالَ مُوسى لمّا بلغه قول فرعون: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أي استجرت بالله وعذت به مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ عن الحق مجرم لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبّر، والتكذيب بالجزاء، وقلة المبالاة بالعاقبة، فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعلى عباده، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها، وأراد موسى بالتكبّر الاستكبار عن الإذعان للحق، وهو أقبح استكبار، وأدل على دناءة صاحبه، وعلى فرط ظلمه. وفي قول موسى وَرَبِّكُمْ بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذ بالله عياذه، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه.
[فوائد]
١ - [حول تحقيق عن شخصية قارون]
يلاحظ أن قارون ورد ذكره هنا على أنه من الذين شاركوا في تعذيب بني إسرائيل، فهل هو نفس قارون الذي ورد في سورة القصص؟ وإذا كان هو فهل يعني هذا أنه كان خائنا لقومه باغيا عليهم؟ الظاهر نعم؛ لقوله تعالى في سورة القصص: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وهل هو قورح المذكور في التوراة الحالية على أنه خسف به الأرض أو هو غيره؟ يلاحظ أن أسفار موسى تذكر أن هذا الخسف حدث بعد خروج بني إسرائيل من مصر، ويلاحظ أن بحيرة في مصر بجانب بلدة الفيوم تسمى بحيرة قارون. فإذا كانت هذه البحيرة هي مكان الخسف بقارون، وإذا كانت رواية التوراة صحيحة. فمعنى هذا أن قارون غير قورح، فهما حادثتان منفصلتان، وقد تكون الحادثة واحدة إذا كان قارون هو قورح، والخطأ إما في رواية التوراة الحالية، أو في رواية الناس.
٢ - [نقل عن كتب العهد القديم عن هامان]
في سفر إستير من كتب العهد القديم حديث عن هامان وزير الملك أحشويروش في زمن سبي بابل، وأنه كاد لبني اسرائيل في زمن المحنة هذه، فهل هامان وزير فرعون