عنهما فساد عريض في الحياة البشرية، وأن في ذلك عذابا للإنسان، وأن الشرك والمعاصي بهما يستحقّ الإنسان عذاب الله،
ثمّ يأتي الآن أمر هو بمثابة التأكيد للأمر الذي ورد في المقطع السابق فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ أي البليغ الاستقامة، الذي لا يتأتّى فيه عوج مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد، أو لا يرده هو بعد أن يجئ به، أي لا مرد له من جهته يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أي يتصدّعون أي يتفرقون
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أي فعليه وبال كفره وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ أي يسوون لأنفسهم ما يسوّيه الذي يمهّد لنفسه فراشه ويوطئه، لئلا يصيبه في مضجعه ما
ينغّص عليه مرقده من نتوء وغيره. والمعنى أنّه يمهد لهم الجنة بسبب أعمالهم فأضيف إليهم.
ثم علل الله عزّ وجل لما مرّ بقوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ أي من عطائه إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ومع هذا فهو العادل الذي لا يجوز. دلّ ذلك على أن حكمة وجود يوم القيامة هو مجازاة المؤمنين العاملين في الدرجة الأولى. اللهم اجعلنا منهم.
[كلمة في السياق]
١ - لاحظنا أنه في المقطع السابق أقيمت الحجة على الشرك، ثم صدرت أوامر، وهاهنا أقيمت الحجة على الشرك، وذكرت آثاره السيئة في الحياة البشرية عامة، وعلى أهله خاصة، ثمّ صدرت أوامر، والملاحظ أن أمرا متشابها قد ورد في المقطعين وهو: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً إلا أن ورود الأمر في كل مرة كان في سياق.
ففي المرة الأولى صدر الأمر بإقامة الوجه للدين لأن هذا هو الوضع الذي ينسجم مع الفطرة البشرية، وفي المرة الثانية صدر الأمر بإقامة الوجه للدين استعدادا لليوم الآخر.
فالتوحيد يقتضي إقامة الوجه لدين الله، واليوم الآخر يقتضي إقامة الوجه لدين الله.
٢ - نلاحظ أن المقطع الأول بدئ بمعان قريبة من معاني المقطع الثاني، مع زيادة في بداية المقطع الثاني لها علاقة بالرزق، وهي الصلة المباشرة التي تصل بداية المقطع الثاني بنهاية المقطع الأول.
كانت بداية المقطع الأول: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وكانت بداية المقطع الثاني: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ...
وما قبل بداية المقطع الثاني كانت الآيات التي تتحدث عن الرزق والإنفاق: