اصطفى من البشر رسلا عنه إلى خلقه، وجعل لهم علامات تدلّ على صدقهم، وقد كان كتابنا (الرسول) كله نموذجا وشرحا وتطبيقا لهذه العلامات في رسالة رسولنا عليه الصلاة والسلام، الذي لم يجعل الله قلبا كقلبه، ولا روحا كروحه.
يذكر ابن كثير روايات متعدّدة لحديث ثم يقول فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضا. ونحن نجتزئ منها برواية هي:
روى عبد الرزاق عن أبي جعفر قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي المؤمنين أكيس؟
قال:«أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم لما بعده استعدادا» قال: وسئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال:«نور يقذف فيه، فينشرح له وينفسح». قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال:«الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت». فهذه علامة إسلام المرء وعلامة إرادة الله به خيرا، ومن تأمّل رأى ضعف هذا المعاني في عصرنا فلا حول ولا قوة إلا بالله.
٣ - وبمناسبة قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ نقول: اختلفت عبارات المفسرين القدماء في شرح هذه الآية، لعدم وضوح ما اتّضح في عصرنا من أمرها، وأحقّ الحقّ فيها ما قاله ابن كثير:(وقال ابن المبارك عن ابن جريج: ضيقا حرجا بلا إله إلا الله، حتى لا يستطيع أن تدخله، كأنما يصّعّد في السماء من شدة ذلك عليه .... وقال السّدي: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ من ضيق صدره). أقول: وفي هذا النصّ معجزة من أبلغ المعجزات القرآنية، وذلك أنّه تبيّن في عصرنا أنّ الضغط الجوي يخف كلما ارتفع الإنسان في الجو حتى يتلاشى، وأن الإنسان كلما صعد في السماء ضاق صدره حتى يصل لدرجة الاختناق، فتشبيه الحالة المعنوية بهذه الحالة الحسية التي لم تكن معروفة يوم نزول القرآن، ولم تعرف إلا بعد ثلاثة عشر قرنا ونيف، إن هذا لمعجزة عظيمة تشهد على أن هذا القرآن أنزله الذي يعلم السرّ في السموات والأرض).
وإن مجئ هذه المعجزة في سياق الفقرة التي بدأت بذكر طلب الكافرين آية، وفي سياق الفقرة التي وصفت القرآن بالتفصيل والعدل والصدق لقضية ذات دلالة.