تفعل. إن كل ما آتاك الله لك حل». ثم قال: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ. من هذا النّص ندرك جهل أهل الجاهلية حيث حاولوا شكر النّعمة عن غير طريق الشكر، كما ندرك أن طريق الشكر هو التزام أمر الله، وهو في هذا المقام أن يدفع الإنسان زكاة ماله للفقراء، أو يمنح شيئا منه للمحتاجين، أو يوسّع على نفسه وعلى الناس فيه.
٤ - قد يتساءل متسائل عن الصلة بين هذه الفقرة التي مرّت معنا وبين ما قبلها وما بعدها؟ والجواب: في هذا المقطع يقرر الله أحكاما متعددة، فإن يأتي خلال هذا المقطع ما يحجر السؤال عن المسكوت عنه، ويبيح السؤال عما نزل، فذلك شئ منسجم مع ما قبله وما بعده، وأن يقرّر خلال ذلك حكم ما حرمه الجاهليون على أنفسهم، وأن يسفه فعلهم في مقطع يبدأ بالنهي عن تحريم الطيبات، كل ذلك واضح الصّلات، وفي هذه الفقرة التي تمنع السؤال المتعنّت وتقرر الحكم النهائي في تسفيه عادة جاهلية، أن يسفّه المقلدون للآباء تقليدا أعمى، كل ذلك ينسجم مع جو المقطع، وفي مقطع هو جزء من سورة المائدة التي تعمّق معنى التسليم لله والإيمان به والاهتداء بكتابه أن تأتي فقرة تمنع السؤال، وتقرّر الأحكام، وتسفّه تقليد الضلّال والجهال، كل ذلك سائر على نسق يكمّل بعضه بعضا.
[كلمة في السياق]
لنتذكّر أن محور سورة المائدة من سورة البقرة هما الآيتان المبدوءتان بقوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ... ولنتذكر أن في هاتين الآيتين يرد قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ... وقد رأينا أن سورة المائدة وضّحت الكثير من معالم طريق الهدى، وحدّدت الكثير من صفات المهتدين وبيّنت طريق الضلال، وحدّدت صفات الذين يستحقون الضلال، وقد سارت السورة موضحة هذا وذاك، فإذا استقرت المعالم فقد آن الأوان ليبيّن لأهل الإسلام أنّ ضلال الضالين لا يضرّ المهتدين، وهذا هو مضمون الآية اللاحقة التي تشكّل فقرة برأسها، وهي الفقرة الخامسة في المقطع السابع الذي هو المقطع الثاني في القسم الثالث من السورة، وسنرى محلّ الفقرة في سياق المقطع والقسم وهي: