٨ - بمناسبة استعصام يوسف عليه السلام يورد ابن كثير الحديث الوارد في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:
إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
[ملاحظات]
١ - من قصة يوسف تعرف أن أفظع فتنة يمكن أن تمر بإنسان هي فتنة الجمال، ومن ثم نلاحظ أن يوسف استقبل الإلقاء في البئر بصبر، واستقبل العبودية بصبر، واستقبل السجن بصبر، ولكنه شكا هذه الشكوى الحارة عند ما تعرض لفتنة الجمال، قال وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ وقال قبل ذلك:
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ففتنة الجمال هي الفتنة التي تعصف برأس الحكيم؛ ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء».
٢ - إن كثيرا من الناس يتساهلون في إدخال أنواع من الرجال إلى بيوتهم بحيث يكون بين هؤلاء الرجال والنساء علاقة: من ذلك من يوصل الحاجيات إلى البيوت، أو أصدقاء الرجل، أو غير ذلك من خادم وتابع، وفي كل صورة من هذه الصور نوع تعرض وتعريض للفتنة، إلا إذا ضبطت هذه الأمور ضوابط الشرع.
٣ - من المعروف عن العرب شدة الحمية في شأن العرض وخاصة في بيوتاتهم الكريمة، فإذا لاحظنا هذا الموقف الذي وقفه عزيز مصر من زوجته مع افتراض أنه هكسوسي فهذا يدعونا إلى افتراض أن النفسية الحاكمة وقتذاك قد داخلها من الترف والفساد، ما أفقدها خصائصها الأصيلة، وهذا لا يكون إلا إذا كان الترف والفساد قد استمر أكثر من جيل، وهذا يدعونا إلى أن نستأنس في أن مجئ يوسف كان- تقريبا- في أواسط حكم الهكسوس لمصر، إذ يكون هذا الترف والفساد بدأ ينخر النظام حتى سقط في النهاية بعد حوالي قرنين ونيف من مجئ يوسف وبني إسرائيل إلى مصر. ومن خلال تسجيلنا لهذه الملاحظة المستمدة من قصة يوسف في القرآن، ومما عرفناه مما لم يذكره القرآن، ندرك كيف أن إعجاز هذا القرآن لا يتناهى، وندرك كيف أن شيئا ما