أو بالطريقة التي يستمعون القرآن بها. والتقدير: نحن أعلم بالذي به يستمعون القرآن.
إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى أي وإذ هم ذوو نجوى أي تناجي أي: كلام سري خفي إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً أي سحر فجنّ، فهذه حالهم إذا استمعوا، تآمر خفي على اتهام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالسحر فصار المعنى: نحن أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون، وبما به يتناجون، فهم يستمعون القرآن هازلين لا جادين، متآمرين على الحق لا متبعين للحق، ومن ثم فقد عاقبهم الله بما عاقبهم به من وجود الحجاب والأكنة.
ثم خاطب الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم معزيا انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فجعلوك أحيانا شاعرا، وأحيانا ساحرا، وأحيانا مجنونا، وهاهنا مسحورا فَضَلُّوا إما بسبب من ذلك، أو في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه، فلا يقدر عليه، فهو متحيّر في أمره، لا يدري ما يصنع؛ ومن ثم قال:
فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا أي فلا يهتدون إلى الحق ولا يجدون إليه مخلصا.
[كلمة في السياق]
إن الإسلام: هو الاستسلام لله، والاستسلام لله استسلام لكتابه. وهذا يقتضي فهما لكتابه. إذ الاستسلام أثر الفهم. ولكن الله عزّ وجل حال بين كتابه وبين الناس إلا إذا آمنوا به وباليوم الآخر، ثم حاولوا سماع القرآن وفهمه بشكل جاد. وفي هذه المجموعة بيّن الله عزّ وجل أنه قد صرّف في هذا القرآن بما يؤدي إلى التذكر. ولكن الكافرين ينفرون منه؛ وما ذلك إلا لأن الله حال بينهم وبينه؛ بسبب كفرهم باليوم الآخر، وشركهم، وطريقتهم التي بها يستمعون القرآن، ومن ثم نفهم معنى قول ابن عمر (كنا نؤتى الإيمان قبل القرآن) فالإيمان بالله واليوم الآخر، والرسول، والإقبال الجاد على الاستماع، والفهم، للتذكر، والعمل، ينبغي أن يسبق. والصلة بين ما مر معنا وبين السياق القرآني العام، وبينه وبين قوله تعالى في المقطع السابق إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وبينه وبين وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ في المقطع السابق واضحة. فالسورة تربي وتعلل وتقيم الحجة بما يخدم الاستسلام لله تعالى، والتلقي عنه، وترك اتباع خطوات الشيطان. والقيام بحق النعمة، وإذ كانت العلة الرئيسية لموقف الكافرين من القرآن هو كفرهم باليوم الآخر، فستأتي الآن آيات تذكر نفيهم لليوم