للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصول:]

فصل في السّحت:

السحت: هو الحرام، قال الألوسي في اشتقاقه: «من سحتّه إذا استأصلته، وسمي الحرام سحتا- عند الزجّاج- لأنه يعقب عذاب الاستئصال والبوار، وقال الجبائي:

لأنه لا بركة فيه لأهله فيهلك هلاك الاستئصال غالبا، وقال الخليل: لأن في طريق كسبه عارا فهو يسحت مروءة الإنسان، والمراد به هنا- على المشهور- الرشوة في الحكم، وروي ذلك عن ابن عباس. والحسن.

وأخرج عبد بن حميد. وغيره عن ابن عمر قال: قال رسول الله: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، قيل: يا رسول الله وما السّحت؟ قال: الرشوة في الحكم» وأخرج عبد الرزاق عن جابر بن عبد الله قال: «هدايا الأمراء سحت». وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال: «قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أرأيت الرشوة في الحكم أمن السّحت هي؟ قال: لا، ولكن كفر، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة، ويكون للآخر إلى السلطان حاجة، فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية» وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه سئل عن السّحت، فقال: «الرشا، فقيل له في الحكم؟ قال: ذاك الكفر» وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود نحو ذلك، وأخرج ابن مردويه. والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ست خصال من السّحت: رشوة الإمام- وهي أخبث ذلك كله- وثمن الكلب. وعسب الفحل. ومهر البغي. وكسب الحجام. وحلوان الكاهن». وعدّ ابن عباس رضي الله تعالي عنه في رواية ابن منصور والبيهقي عنه أشياء أخر. قيل: ولعظم أمر الرشوة اقتصر عليها من اقتصر، وجاء من طرق عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنه لعن الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما». أقول: قد أبيح كسب الحجام فإن صح الحديث فإن هذا الجانب منه منسوخ.

[فصل: في احتكام الكفار إلينا]

بمناسبة الكلام عن قوله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال الألوسي:

وهذا كما ترى تخيير له صلّى الله عليه وسلّم بين الأمرين، وهو معارض لقوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وتحقيق المقام على ما ذكر الجصاص- في كتاب الأحكام- أن العلماء اختلفوا، فذهب قوم إلى أن التخيير منسوخ بالآية الأخرى، وروي ذلك عن ابن عباس، وإليه ذهب أكثر السلف. قالوا: إنه صلّى الله عليه وسلّم كان أولا مخيّرا ثم أمر عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>