الصلاة والسلام بإجراء الأحكام عليهم، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وقيل: إن هذه الآية فيمن لم يعقد له ذمة، والأخرى في أهل الذمة فلا نسخ، وأثبته بعضهم بمعنى التخصيص لأن من أخذت منه الجزية تجري عليه أحكام الإسلام، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أيضا.
وقال أصحابنا: أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث وسائر العقود إلا في بيع الخمر. والخنزير فإنهم يقرّون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين فإنهم نهوا عنه، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين، وخبر الرجم السابق سبق توجيهه، واختلف في مناكحتهم، فقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: يقرون عليها، وخالفه- في بعض ذلك- محمد. وزفر، وليس لنا عليهم اعتراض قبل التراضي بأحكامنا، فمتى تراضوا بها وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم.
«وهذا التخيير في أمر هؤلاء اليهود يدل على نزول هذا الحكم في وقت مبكّر. إذ أنه بعد ذلك أصبح الحكم والتقاضي لشريعة الإسلام حتميا. فدار الإسلام لا تطبق فيها إلا شريعة الله. وأهلها جميعا ملزمون بالتحاكم إلى هذه الشريعة. مع اعتبار المبدأ الإسلامي الخاص بأهل الكتاب في المجتمع المسلم في دار الإسلام، وهو ألا يجبروا إلا على ما هو وارد في شريعتهم من الأحكام؛ وعلى ما يختص بالنظام العام. فيباح لهم ما هو مباح في شرائعهم. كامتلاك الخنزير وأكله، وتملك الخمر وشربه، دون بيعه لمسلم. ويحرم عليهم التعامل الربوي لأنه محرّم عندهم. وتوقع عليهم حدود الزنا والسرقة لأنها واردة في كتابهم وهكذا. كما توقع عليهم عقوبات الخروج على النظام العام والإفساد في الأرض كالمسلمين سواء، لأن هذا ضروري لأمن دار الإسلام وأهلها جميعا: مسلمين وغير مسلمين. فلا يتسامح فيها مع أحد من أهل دار الإسلام ... ».
أقول: في أي قضية يكون أحد الأطراف فيها مسلما فالحكم إلى القضاء الإسلامي، وفي أي قضية ترافعوا بها إلى محاكمنا فالحكم فيها بما أنزل الله، وهذا الذي استقرّ عليه الأمر. أما في قضاياهم الخاصة فيما بينهم إن أرادوا أن يرجعوا في ذلك إلى علمائهم فنحن لا نتدخّل في ذلك ولكن، لن نعطيهم حق إيجاد قضاء خاص بهم، ثم إن أي اعتداء على النظام العام- فيما هو معتبر جريمة في شريعتنا- لنا حق مقاضاتهم، إلا ما استثنته معاهداتنا ومواثيقنا معهم، أو أصبح علما على أنه من شريعتهم التي قبلنا التعاقد معهم على أن يعطوا حرية فيها.