وليعرضوا عن العقوبة أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ أي فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربهم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر ويرحم، قال النسفي: فتأدبوا بأدب الله، واغفروا وارحموا.
[سبب نزول هذه الآية]
قال ابن كثير:(وهذه الآية نزلت في الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا، بعد ما قال في عائشة ما قال- كما تقدم في الحديث- فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه شرع تبارك وتعالى- وله الفضل والمنة- يعطف الصديق على قريبه ونسيبه، وهو مسطح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينا لا مال له، إلا ما ينفق عليه أبو بكر، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها، وضرب الحد عليها، وكان الصديق رضي الله عنه معروفا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب، فلما نزلت هذه الآية إلى قوله تعالى أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ الآية فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر ذنب من أذنب إليك، يغفر الله لك وكما
تصفح يصفح عنك، فعند ذلك قال: بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا، ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا- في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدا- فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته»).
أقول: والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
[كلمة في السياق]
لقد جاءت الآية الأولى من هذه المجموعة لتحذر وتنفر عن اتباع خطوات الشيطان التي رأينا نماذج منها في المجموعتين السابقتين، ثم جاءت هذه الآية لتأسو الجراح إذا حدث في المجتمع الإسلامي اتباع لخطوات الشيطان، وقد جاء هذا الأدب الآسي في جو لا يسع المسلم معه ألا يرتقي إلى آفاقه، إنه أدب تتجنب فيه أوامر الشيطان الحاثة على التقاطع والتدابر، فهو أدب تظهر به كل معاني المحور: الدخول في الإسلام كله، ترك اتباع خطوات الشيطان، ما ينبغي فعله بعد الزلل.
ثم تأتي بعد ذلك ثلاث آيات تبين ما يستحقه القذفة الذين يقذفون الأعراض