ثم ذكر الحكمة الثالثة والرابعة، في جعله الأيام دولا:
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ التمحيص: هو التطهير والتصفية، والمحق: هو الإهلاك، فصار المعنى: إن جعل الله الدولة على المؤمنين فللتمييز، والاستشهاد، والتمحيص، وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم.
ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري حيث الدولة على الإسلام والمسلمين، فمن منا الذي يستحق كرامة الله؛ فيثبت على الإيمان، ويبذل مهجته من أجل الإسلام، ويبقى في الصف الإيماني الإسلامي على ما أصابه؛ لتطهر بذلك نفسه، وتزكو وترتفع درجاته، ويعمل لمحق الكافرين، واستئصالهم، وكسر شوكتهم، لتكون الدولة للمسلمين؟ نسأل الله أن نكون من هؤلاء؛ لنكون من الطائفة الظاهرة، التي لا يضرها من خالفها وخذلها إلى يوم القيامة. ثم صحح الله مفهوما خاطئا، وتصورا مغلوطا يقع فيه كثير من الناس، وحتى ممن يظنون أنفسهم في الذروة من المسلمين، هذا التصور: أنه بلا جهاد وصبر يمكن أن يدخلوا الجنة.
قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ. أم هنا تفيد الإنكار. ففي الآية إذن إنكار على من يظن أن دخول الجنة يكون بلا جهاد وصبر، أي: لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء، أو بتعبير آخر: لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما تجاهدوا وتصبروا. ولما في الآية بمعني: لم، إلا أن فيها ضربا من التهييج على الجهاد، والصبر من حيث كونه متوقعا، ومنتظرا من المؤمنين، وفي هذا السياق يأتي معنى جديد مرتبط بما قبله كل الارتباط، فلنذكر شيئا عن السياق:
الآيات التي نشرحها الآن جاءت في سياق النهي عن الوهن والحزن في حالة هزيمتنا، وكون الدولة علينا، من خلال ما حدث للمسلمين يوم أحد، وفي هذا السياق بين الله الحكمة في جعله الأيام دولا، وصحح مفهوما خاطئا يمكن أن نقع فيه حول تصور دخول الجنة، وفي هذا السياق تأتي الآن مجموعة من الآيات تصور حال الجماعة الإسلامية كما ينبغى أن تكون في حالة قتل زعمائها، المتمثلين بالأنبياء والرسل وخلفائهم ووراثهم من بعدهم إلى يومنا هذا، وكيف أن هذا القتل لا ينبغي أن يؤثر على الاستمرار والمتابعة. وخلال ذلك ينكر الله- عزّ وجل- على من يرتد بعد قتل رسوله أو موته، وهذا كله يأتي في سياق دروس أحد، فلنر الآيات