قدم الألوسي لسورة الطارق بقوله:(مكية بلا خلاف. وهي سبع عشرة آية على المشهور، وفي التيسير ست عشرة ولما ذكر سبحانه فيما قبلها تكذيب الكفار للقرآن نبه تعالى شأنه هنا على حقارة الإنسان، ثم استطرد جل وعلا منه إلى وصف القرآن ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بإمهال أولئك المكذبين).
[كلمة في سورة الطارق ومحورها]
تتألف سورة الطارق من فقرتين واضحتي المعالم كل منهما مبدوءة بقسم. الأولى مبدوءة بقوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ والثانية مبدوءة بقوله تعالى:
وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ .. في الأولى يأتي جواب القسم مقررا لوجود الملائكة المكلفين بحفظ الإنسان، وبحفظ عمله، ثم يأتي لفت نظر للإنسان إلى نشأته ليتذكر رجعته، وفي الثانية يأتي جواب القسم مقررا لجدية هذا القرآن، وكونه فاصلا بين الحق والباطل، ثم يأتي تبيان لموقف الكافرين في الكيد لهذا الدين، وإنذار لهم، وكل ذلك تفصيل لمقدمة سورة البقرة، فالسورة تفصل إما في الآيات الواردة في المتقين، أو في الآيات الواردة في الكافرين.
لقد ختمت سورة البروج بقوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ويأتي في مقدمة سورة الطارق قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ* وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ* إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ وبين النهاية والبداية نوع صلة، فحفظ اللوح مرتبط بحفظ السماء، وحفظ اللوح من مظاهر قدرة الله التي من مظاهرها حفظ كل نفس، أو حفظ عملها بالمكلفين من ذلك من الملائكة. وصلة قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ بقوله تعالى عن القرآن في سورة الطارق: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَما هُوَ بِالْهَزْلِ كذلك واضحة. ولفت نظر الإنسان إلى نشأته في سورة الطارق: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ له صلة بقوله تعالى في سورة البروج: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ ... وهكذا نجد أن الصلات كثيرة بين سورة البروج وسورة الطارق، والملاحظ أن سورة الطارق تنتهي بالخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ .. وتبدأ سورة الأعلى بعدها بخطابه صلى الله عليه وسلم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فالصلة بين نهاية سورة الطارق وبداية سورة الأعلى كذلك واضحة.