المخاطبين- لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر) وقال النسفي:(وشبّه (أي طلعها) برءوس الشياطين للدلالة على تناهيه في الكراهة، وقبح المنظر، لأن الشيطان مكروه، مستقبح في طباع الناس؛ لاعتقادهم أنه شر محض)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها أي من طلعها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ أي فمالئون منها بطونهم لما يغلبهم من الجوع الشديد
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً أي لخلطا ولمزاجا مِنْ حَمِيمٍ أي من ماء حار يشوي وجوههم، ويقطّع أمعاءهم قال النسفي والمعنى:(ثم إنهم يملئون البطون من شجرة الزقوم: وهو حار يحرق بطونهم، ويعطشهم فلا يسقون إلا بعد ملىّ؛ تعذيبا لهم بذلك العطش، ثم يسقون ما هو أحرّ، وهو الشراب المشوب بالحميم) وقد فسر بعضهم الشوب بأنه مزيج من الحميم والصّديد والغسّاق مما يسيل من فروجهم وعيونهم
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ قال النسفي:(أي أنهم يذهب بهم عن مقارّهم ومنازلهم في الجحيم، وهي الدركات التي أسكنوها، إلى شجرة الزقوم فيأكلون إلى أن يمتلئوا، ويسقون بعد ذلك، ثم يرجعون إلى دركاتهم)
ثمّ علّل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد بتقليد الآباء في الدّين، واتّباعهم إياهم في الضلال، وترك اتّباع الدليل فقال تعالى: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ* فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ الإهراع: الإسراع الشديد، كأنّهم يحثون حثا قال ابن كثير:(أي إنما جازيناهم بذلك لأنهم وجدوا آباءهم على الضلالة فاتّبعوهم فيها بمجرد ذلك من غير دليل ولا برهان)
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أي قبل كفار هذه الأمة أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ أي أكثر الأمم الخالية بالتقليد، وترك النظر، والتأمّل
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ أي أنبياء حذّروهم العواقب
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أي الذين أنذروا وحذّروا
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أي الذين أخلصهم الله لدينه، فهؤلاء نجّاهم ونصرهم وظفّرهم.
...
[كلمة في السياق]
١ - تكرّر قوله تعالى إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ* حتى الآن مرتين:
المرة الأولى: جاءت في سياق قوله تعالى إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ* وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ.