للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساقاه- فقيل له أليس الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال «أفلا أكون عبدا شكورا» غريب من هذا الوجه. فقوله سبحانه: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً أي: بينا ظاهرا، والمراد به صلح الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان، وقوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ هذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو صلّى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر، والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو صلّى الله عليه وسلم أكمل البشر على الإطلاق، وسيدهم في الدنيا والآخرة، ولما كان أطوع خلق الله تعالى وأشدهم تعظيما لأوامره ونواهيه قال حين بركت به الناقة:

«حبسها حابس الفيل»، ثم قال صلّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها» فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ أي: في الدنيا والآخرة).

٤ - [كلام ابن كثير عن تفاضل الإيمان في القلوب بمناسبة آية لِيَزْدادُوا إِيماناً .. ]

بمناسبة قوله تعالى: لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ قال ابن كثير: (وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب) وقال الألوسي عند قوله تعالى: لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ أي: يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفوس عليها، على أن الإيمان الثابت في الأزمنة نزل تجدد أزمانه منزلة تجدده وازدياده، فاستعير له ذلك ورشح بكلمة مع، وقيل: ازدياد الإيمان بازدياد ما يؤمن به، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن أول ما أتاهم به النبي صلّى الله عليه وسلم التوحيد، ثم الصلاة والزكاة، ثم الحج والجهاد، فازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ومن قال: الأعمال من الإيمان قال بأنه نفسه- أي الإيمان المركب من ذلك وغيره- يزيد وينقص، ولم يحتج في الآية إلى تأويل، بل جعلها دليلا له، وتفصيل الكلام في هذا المقام أنه ذهب جمهور الأشاعرة والقلانسي والفقهاء والمحدثون والمعتزلة إلى أن الإيمان يزيد وينقص، ونقل ذلك عن الشافعي ومالك، وقال البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، واحتجوا على ذلك بالعقل والنقل، أما الأول فلأنه لو لم تتفاوت حقيقة

<<  <  ج: ص:  >  >>