٢ - لاحظ الآن الصلة بين قوله تعالى في أوائل السّورة:
الم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ وبين قوله تعالى في هذه المجموعة: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ لتتأكد أن موضوع اتّباع الكتاب أساس في السّياق، ولننتقل إلى المجموعتين الثانية والثالثة.
[تفسير المجموعتين الثانية والثالثة]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ أي يدخل هذا في هذا، وهذا في هذا، على نظام هو غاية في الدّقة وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى يوم القيامة وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فلا يخفى عليه الظاهر والخفي
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ أي ذلك الوصف الذي وصف به عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون. فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله، إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الإلهية، وأن من دونه باطل الإلهية وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الشأن الْكَبِيرُ السلطان. قال ابن كثير:(أي العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي هو أكبر من كل شئ فكل خاضع بالنسبة إليه).
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ أي السفينة تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ أي بإحسانه ورحمته. أو بالريح لأن الريح من نعم الله لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ أي ليريكم من عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ على بلائه شَكُورٍ لنعمائه
وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ أي غطّاهم موج كَالظُّلَلِ أي كالجبال والغمام، والظلة: كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرها دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي موحّدين له الطاعة فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ أي باق على الإيمان والإخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر، أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر يعني: أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط فالمقتصد على هذا هو المتوسّط في العمل، أو صاحب العمل القليل النادر. قال ابن كثير:(ويحتمل أن يكون مرادا هنا ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر، ثم بعد ما أنعم الله عليه بالخلاص كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام والدءوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات. فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه، والله أعلم) وَما يَجْحَدُ