للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، وقد كان سنّه إذ ذاك صغيرا، فلهذا نوّه بذكره، وبما أنعم عليه وعلى والديه فقال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ أي تعلّم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ أي الفهم والعلم والجد والعزم والإقبال على الخير والإكباب عليه والاجتهاد فيه صَبِيًّا أي وهو صغير حدث

وَحَناناً أي: وشفقة ورحمة لأبويه وغيرهما مِنْ لَدُنَّا أي من عندنا وَزَكاةً أي وطهارة وصلاحا، فلم يعمد إلى ذنب وَكانَ تَقِيًّا أي مسلما مطيعا، والتقدير وآتيناه الحكم، وآتيناه حنانا من لدنا وزكاة، وجعلناه ذا حنان وذا زكاة. والحنان: هو المحبة في شفقة وميل، والزكاة: الطهارة من الدنس والآثام والذنوب، وكان مع هذا كله تقيا ومقبلا على الله في طاعة الأمر واجتناب النهي

وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ لما ذكر تعالى طاعته لربه، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى، عطف بذكر طاعته لوالديه وبرّه بهما، ومجانبته لعقوقهما، قولا ونهيا. ولهذا قال: وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً أي متكبرا عَصِيًّا أي عاصيا لربه. ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك

وَسَلامٌ عَلَيْهِ أي وأمان من الله يَوْمَ وُلِدَ من أن يناله الشيطان وَيَوْمَ يَمُوتُ من فتنة القبر، ووحشة البرزخ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا أي له الأمان في هذه الأحوال الثلاثة.

قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم ولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا، فخصّه بالسلام عليه فقال: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا رواه ابن جرير.

[الفوائد]

١ - [العمل والكسب باليد لا يتنافى مع أرقى المقامات فقد كان زكريا عليه السلام نجارا]

جاء في صحيح البخاري عن زكريا عليه السلام: «أنه كان نجارا يأكل من عمل يده في النجارة». وفي ذلك درس في العمل والكسب، وأنه لا يتنافى مع أرقى المقامات.

٢ - [بعض ما قيل في فضل الدعاء الخفي بمناسبة آية إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا]

علّق قتادة على قوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا فقال: إن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفي. وقال النسفي: وهو [أي الدعاء الخفي] أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء. وقال: أي عن الدعاء سرا: هو المأمور به. ويفهم من كلامه أنه إذا لم يكن الدعاء مشتركا فالسنة في الدعاء الإسرار.

٣ - [من مظاهر الإعجاز والبلاغة في آية وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً]

من مظاهر الإعجاز في القرآن أن كل كلمة من كلماته في محلها لا يمكن أن

<<  <  ج: ص:  >  >>