بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ لاحظ كلمة (بالمفسدين) ولاحظ قوله تعالى هنا إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ليتأكد لك أن هذه القصة هنا تأتي بما يخدم سياق سورة يونس فهي تأتي نموذجا على المعاني التي قررها الله من قبل.
*** فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ أي إلا طائفة من أولاد قومه وهل الضمير في (قومه) يعود إلى موسى أو إلى فرعون؟ قولان للمفسرين، فعلى القول الأول يكون المراد- والله أعلم- أن الذين آمنوا لموسى، وتحمسوا له، وأظهروا هذا الإيمان، هم الشباب من قومه، وإن كان كل بني إسرائيل قد آمنوا لموسى نوع إيمان، وعلى القول الثاني: يكون الذين آمنوا بموسى من قوم فرعون هم طائفة من الشباب كمؤمن آل فرعون التي تمر قصته معنا في سورة غافر عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي يصرفهم عن دين الله بتعذيبهم، وعلى القول بأن الذرية من قوم فرعون يكون المعنى:
أن هؤلاء آمنوا لموسى على خوف فرعون وأشراف قومهم أن يفتنهم فرعون أي وهؤلاء الأشراف معه أي وجنده وحاشيته، وعلى القول بأن الذرية من قوم موسى يكون المعنى:
أن هؤلاء آمنوا لموسى على خوف من فرعون أن يفتنهم، وأن أشراف قومهم كانوا خائفين عليهم كذلك أن يفتنهم فرعون، وهذا الاتجاه الثاني هو الذي يحس في الواقع،
فعند ما يقوم مصلح إلى الله ويصارع الطواغيت لا يستجيب له فى الغالب إلا الشباب، وبهذا يعرض هؤلاء الشباب أنفسهم للمحنة، فيبقون في خوف من السلطة الظالمة، وأهلوهم كذلك يخشون عليهم، فهم خائفون أن يفتنوا، وأهلوهم خائفون عليهم أن يفتنوا وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ أي متكبر فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ أي المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية.
[فوائد]
١ - يلاحظ من قوله تعالى: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ أن الذين يستجيبون للدعوات الإصلاحية هم الشباب؛ لسلامة فطرتهم، فنفوس الشباب أقرب لأن تقبل الحق، ومن ثم فعلى أصحاب الحق أن يدركوا معدن النصرة، وألا يتطلعوا إلى أجيال ليست مرشحة لأن تفعل شيئا؛ لأنها تجاوزت دور الفاعلية، على أن صاحب الدعوة عليه أن يبلغ دعوته للجميع.