قدّم الألوسي لسورة (ص) بقوله: (مكية كما روي عن ابن عباس وغيره، وقيل مدنية وليس بصحيح كما قال الداني. وهي ثمان وثمانون آية في الكوفي وست وثمانون في الحجازي والبصري والشامي، وخمس وثمانون في عد أيوب بن المتوكل وحده، قيل ولم يقل أحد إن (ص) وحدها آية كما قيل في غيرها من الحروف في
أوائل السور، وفيه بحث. وهي كالمتممة لما قبلها من حيث إنه ذكر فيها ما لم يذكر في تلك من الأنبياء عليهم السلام، كداود وسليمان، ولما ذكر سبحانه فيما قبل عن الكفار أنهم قالوا لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وأنهم كفروا بالذكر لمّا جاءهم بدأ عزّ وجل في هذه السورة بالقرآن ذي الذكر، وفصّل ما أجمل هناك من كفرهم، وفي ذلك من المناسبة ما فيه، ومن دقّق النظر لاح له مناسبات أخر والله تعالى الموفق).
[ومن تقديم صاحب الظلال لسورة (ص)]
(وهذه الأشواط ... التي تجري بموضوعات السورة هذا المجرى، تجول بالقلب البشري في مصارع الغابرين، الذين طغوا وتجبروا واستعلوا على الرسل والمؤمنين، ثم انتهوا إلى الهزيمة والدمار والخذلان: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ* إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ.
تعرض على القلب البشري هذه الصفحة. صفحة الهزيمة والدمار والهلاك للطغاة المكذبين. ثم تعرض بإزائها صفحة العز والتمكين والرحمة والرعاية لعباد الله المختارين، في قصص داود وسليمان وأيوب.
هذا وذلك في واقع الأرض .. ثم تطوف بهذا القلب في يوم القيامة وما وراءه من صور النعيم والرضوان. وصور الجحيم والغضب. حيث يرى لونا آخر مما يلقاه الفريقان في دار البقاء. بعد ما لقياه في دار الفناء.
والجولة الأخيرة في قصة البشرية الأولى وقصة الحسد والغواية من العدو الأول، الذي يقود خطى الضالين عن عمد وعن سابق إصرار. وهم غافلون.
كذلك ترد في ثنايا القصص لفتة تلمس القلب البشري وتوقظه إلى الحق الكامن