وخاتم الأنبياء، فإذا كان الله عزّ وجل قد أهلك الأمم الذين كذّبوا الرسل قبله بسببهم، وقد كانوا أشدّ قوة من هؤلاء، فما ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى؟
فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة، فإن العذاب يوفّر على الكافرين به في معادهم) وفي ختم الآية يقول تعالى فَلا ناصِرَ لَهُمْ دليل على ما قلناه أن السياق يعرض علينا نماذج من نصر الله لأنبيائه وأوليائه، ثم قال تعالى
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ قال ابن كثير: أي على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم، وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ من كفر وصدّ عن سبيل الله وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أي: ليس هؤلاء كهؤلاء، فليس المؤمن العامل كالكافر الفاجر العامل السوء المتّبع الهوى
مَثَلُ الْجَنَّةِ أي: صفتها العجيبة الشأن الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ أي: غير متغيّر اللون والريح والطعم وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كما تتغيّر ألبان الدنيا إلى الحموضة وغيرها قال ابن كثير: بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ أي: لذيذ لِلشَّارِبِينَ قال ابن كثير: أي: ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا، بل حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل. قال النسفي:
وما هو إلا التلذذ الخالص ليس معه ذهاب عقل، ولا خمار ولا صداع، ولا آفة من آفات الخمر وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى أي: وهو في غاية الصفاء، وحسن اللون والطعم والريح، لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره وَلَهُمْ فِيها أي:
في الجنة مع هذا كله مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ هذا مثل الجنة وأهلها فهل هذا كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ قال ابن كثير: أي أهؤلاء الذين ذكرنا منزلتهم في الجنة كمن هو خالد في النار؟ ليس هؤلاء كهؤلاء، وليس من هو في الدرجات كمن هو في الدركات وَسُقُوا ماءً حَمِيماً أي: حارا شديد الحر لا يستطاع فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ أي: قطع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء عياذا بالله تعالى من ذلك.
[كلمة في السياق]
١ - مرّ معنا أكثر من نموذج على أنواع النصر للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وأكثر من نموذج على خسران الكافرين في الدنيا والآخرة، فهناك النصر باستئصال الكافرين،