إنّها تفهم على أوجه متعدّدة: فهناك ناس يرجمون الغيب من مكان بعيد، فلا تصل إليه قذائفهم؛ لأن الغيب محفوظ، وهم أحقر من أن يصلوا إليه بأذى، فهؤلاء يدخلون في الصورة التي تحدّثت عنها الآية، وإنّك لتراهم في كل مكان.
وهناك ناس يحاولون أن يمسكوا بالغيوب كلها- في زعمهم- ليرموها إلى آخر درك يستطيعونه ليتخلصوا منها، وهيهات لهم ذلك، أمثال هؤلاء يدخلون في الصورة، وإنك لتجدهم في كل مكان.
فإن تجد النص على مثل هذا الاختصار، وعلى مثل هذا التصوير للواقع، وعلى مثل هذه البلاغة، ثمّ أن تجده في محلّه من السياق الجزئي والعام للقرآن، يؤدي دوره بمثل هذا الانسجام الرفيع، وهذه السلاسة العذبة، إنّ ذلك لشئ يدل على أن هذا القرآن من عند الله، فالحمد لله على نعمة الإيمان.
[كلمة أخيرة في سورة سبأ]
رأينا أن سورة سبأ تألفت من مقدمة وثلاثة مقاطع.
المقدمة تحدّثت عن استحقاق الله عزّ وجل للحمد في الدنيا والآخرة، والمقطع الأول ردّ- بشكل مباشر- على كفر الكافرين بالساعة، والمقطع الثاني ردّ على كفر الكافرين بالساعة من خلال الردّ عن شخصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والمقطع الثالث ردّ على كفر الكافرين بالساعة من خلال الردّ عن القرآن الكريم.
بدأ المقطع الأول بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ.
وبدأ المقطع الثالث بقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.
فأنت ترى أن الكلام عن اليوم الآخر ورد في بداية المقاطع الثلاثة، إما بشكل متفرد، وإما في معرض الكفر بالرّسول أو بالقرآن؛ فدل ذلك على ارتباط موضوع اليوم الآخر بموضوع الرسالة والقرآن، وفي كل ذلك رأينا ارتباط هذه الأمور بموضوع الإيمان بالله، ومن ثمّ ندرك صلة السورة بمحورها: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ