ولا ولد له، ثم أعطوه من يعتبرونه أخس القسمين من الأولاد وهم في مفاهيمهم الجاهلية لا يرضونها لأنفسهم، ثم زادوا على ذلك أن عبدوها، وهذا هو الموقف الظالم الثاني للمستكبرين في هذه المجموعة
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ فيقعون بذلك كما مر بثلاثة من أفظع أنواع الكفر سُبْحانَهُ عن قولهم وإفكهم أي تنزيها لذاته من نسبة الولد إليه وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ أي ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور، يجعلون لهم البنين، ويجعلون لله البنات سبحانه. ثم ذكر الله عزّ وجل نظرتهم إلى البنات، ممّا يدل على أن تصورهم عن الذات الإلهية في غاية الفساد، فهم يختارون لأنفسهم الذكور، ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله، لدرجة أن الواحد منهم إذا بشّر بالأنثى يكاد يهلك، أليس هذا يدل على أنهم يضعون الله في المقام الأدنى من مقام أنفسهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي كئيبا مغتمّا فهو أسود الوجه من الكآبة والحياء من الناس وَهُوَ كَظِيمٌ أي ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن، مملوء حنقا على المرأة
يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ أي يكره أن يراه الناس؛ فيستخفي منهم مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أي من أجل سوء المبشّر به، ومن أجل تعييرهم أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أي
ويحدث نفسه وينظر أيمسك ما بشّر به على هون وذل، أم يئده، بأن يدفنها حية كما كانوا يصنعون في الجاهلية؟ أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله؟! أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي بئس ما قالوا وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف فما أسوأ محاكمتهم وما أسوأ حكمهم؟.
قال صاحب الظلال بمناسبة هذه الآية:
(ومن عجب أن ينعق الناعقون بلمز العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية- في مسألة المرأة، نتيجة لما يرونه في هذه المجتمعات المنحرفة ولا يكلف هؤلاء الناعقون اللامزون أنفسهم أن يراجعوا نظرة الإسلام، وما أحدثته من ثورة في التطورات والأوضاع وفي المشاعر والضمائر وهي بعد نظرة علوية لم تنشئها ضرورة واقعية ولا دعوة أرضية ولا مقتضيات اجتماعية أو اقتصادية. إنما أنشأتها العقيدة الإلهية الصادرة عن الله الذي كرم الإنسان، فاستتبع تكريمه للجنس البشري تكريمه للأنثى. ووصفها بأنها شطر النفس البشرية، فلا تفاضل بين الشطرين الكريمين على الله.).