للذكور دون الإناث- كما أسلفنا في سورة الأنعام- باسم الآلهة المدّعاة، التي لا يعلمون عنها شيئا، إنما هي أوهام موروثة من الجاهلية الأولى والله هو الذي رزقهم هذه النعمة التي يجعلون مما لا يعلمون نصيبا منها، فليست هي من رزق الآلهة المدعاة لهم ليردوها عليها، إنما هي من رزق الله، الذي يدعوهم إلى توحيده فيشركون به سواه.
وهكذا تبدو المفارقة في تصورهم وفي تصرفهم على السواء .. الرزق كله من الله.
والله يأمر ألا يعبد سواه، فهم يخالفون عن أمره فيتخذون الآلهة. وهم يأخذون من رزقه فيجعلونه لما نهاهم عنه. وبهذا تتبدّى المفارقة واضحة جاهرة عجيبة مستنكرة.
وما يزال أناس بعد أن جاءت عقيدة التوحيد وتقررت، يجعلون نصيبا من رزق الله لهم موقوفا على ما يشبه فعل الجاهلية. ما يزال بعضهم يطلق عجلا يسميه «عجل السيد البدوي» يأكل من حيث يشاء لا يمنعه أحد، ولا ينتفع به أحد، حتى يذبح على اسم السيد البدوي لا على اسم الله، وما يزال بعضهم ينذرون للأولياء ذبائح يخرجونها من ذمتهم لا لله، ولا باسم الله، ولكن باسم ذلك الولي، على ما كان أهل الجاهلية يجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقهم الله، وهو حرام نذره على هذا الوجه، حرام لحمه ولو سمي اسم الله عليه لأنه أهلّ لغير الله به.
تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ بالقسم والتوكيد الشديد فهو افتراء يحطم العقيدة من أساسها لأنه- يحطم فكرة التوحيد).
ونعيد تفسير هذه الآية بعد أن رأينا كلام صاحب الظلال فيها: وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ أي لآلهتهم أي ويجعلون لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ الله يرزقهم، ويجعلون قسما منه لآلهتهم الباطلة؛ تقربا إليها، بل يفضلونها على جنابه سبحانه تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ أي تكذبون في أنها آلهة، وأنها أهل للتقرب إليها. أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه وليجازيهم عليه أوفر الجزاء في نار جهنم. فهذا أول موقف من مواقف المستكبرين في هذه المجموعة: يسجل ويرد عليه بآن واحد، إذ يتقربون بما رزقهم الله لمن لا يشعر بفعلهم أصلا، فأي حماقة وأي ظلم وأي جهل؟ ثم يخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا، وجعلوها بنات الله؛ فعبدوها معه، فأخطئوا خطأ فظيعا في كل مقام من هذه المقامات الثلاث فنسبوا إليه تعالى أن له ولدا،