للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصة أصحاب الكهف قال (غدا أجيبكم) دون أن يعلّق ذلك على المشيئة الإلهية فتأخر الوحي خمسة عشر يوما، وفي مثل هذا التأديب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يعظ الجاهل عن التساهل في الأدب فما فوقه مع الله جل جلاله. وقد ذكر هذا الأدب في ثنايا القصة، لتبقى هذه القضية محفورة في الضمير المسلم، منبهة إياه على أن مقام محمد صلّى الله عليه وسلم مقام العبودية لله، ومقام التأديب من الله، مع كل ما أنعم الله عليه، فكيف بغيره من خلق الله، وبعد هذا التنبيه يعود السياق إلى القصة:

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً هذا إخبار من الله تعالى بمقدار ما لبث أصحاب الكهف في كهفهم، منذ أرقدهم إلى أن بعثهم الله، وأعثر عليهم أهل ذلك الزمان، وأنه كان مقداره ثلاثمائة سنة، تزيد تسع سنين بالهلالية، وهي ثلاثمائة سنة بالشمسية، فإن تفاوت ما بين كل مائة سنة بالقمرية إلى الشمسية ثلاث سنين. فلهذا قال بعد الثلاثمائة وازدادوا تسعا

قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا أي هو أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم، والحق ما أخبرك به لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي هو وحده جل جلاله يعلم ما غاب في السموات والأرض وخفي فيهما من أحوال أهلهما أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أي ما أبصره لكل موجود وأسمعه لكل موجود، فكيف يغيب عنه شيء ما لَهُمْ أي ما لأهل السموات والأرض مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ أي من متول لأمورهم غيره وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أي في قضائه أحدا، فهو تعالى له الخلق والأمر، الذي لا معقّب لحكمه، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك، ولا مشير تعالى وتقدس، دلّ هذا على أن من أنواع الشرك أن تعطى الحاكمية لغير الله، إن في الخلق أو في الأمر، فمن جعل للمادة قدرة مستقلة على الخلق والتدبير، وللتاريخ سيرا غير ما أراد الله، أو أعطى لغير الله حق التشريع، فقد أشرك. وفي ختم قصة أهل الكهف على هذه الشاكلة، من التذكير بعلمه تعالى، وسمعه وبصره، واستغنائه عن خلقه ووحدانيته في حكمه، قضاء أو أمرا، تذكير بأن ما قاله هو الحق الخالص، كيف لا وهو العليم بكل غيب، السميع لكل موجود، البصير بكل موجود.

وإذ تنتهي القصة بما رأينا تأتي الأوامر التالية:

وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ تلاوة عبادة وتدبّر، وعمل وتبليغ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا مغيّر لها، ولا محرّف ولا مزيل. أو المعنى: لا يقدر أحد على تبديلها أو تغييرها، فهي كلام الله المحيط علما وبصرا وسمعا وقضاء بكل موجود

<<  <  ج: ص:  >  >>