فالسياق يحرر الإنسان- وثنيا كان أو نصرانيا- من عبادة الصنم أو البشر.
...
قالَ أي آزر توبيخا لابنه إبراهيم أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي أي عن عبادتها يا إِبْراهِيمُ لم يقل يا بني في مقابلة قول إبراهيم (يا أَبَتِ) * ممّا يدلّ على أنّه كان مغتاظا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن سب الأصنام وشتمها وعيبها لَأَرْجُمَنَّكَ أي لأقتلنك بالرجام- أي بالحجارة- أو لأضربنك بها، حتى تتباعد أو لأشتمنّك وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا أي زمانا طويلا فاحذرني واهجرني فإني ناقم عليك
قالَ إبراهيم سَلامٌ عَلَيْكَ هذا جوابه على تهديد أبيه ومعناه: أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي أي ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك. أي سأسأل الله أن يجعلك من أهل المغفرة؛ بأن يهديك للإسلام. وسلّم عليه تسليم توديع ومتاركة، أو تقريب وملاطفة، ووعده بالاستغفار، ثم علّل لذلك إِنَّهُ أي الله عزّ وجل كانَ بِي حَفِيًّا أي معوّدا لي على الإجابة، محيطا إياي بالنعم. والحفاوة: الرأفة والرحمة والكرامة
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ أي وما تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَأَدْعُوا رَبِّي أي: وأعبده وحده عَسى قال ابن كثير: (هذه موجبة لا محالة) أقول:
هي وكل ما رجانا الله به ورسله كذلك أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا كشقاوتكم أنتم بعبادة الأصنام، أفاد تعبيره تواضعا وهضما للنفس، وتعريضا بشقاوتهم، ولقد كان اعتزالهم بالبراءة منهم ومما يعبدون، وبالهجرة بعد ذلك من أرضهم بدليل الآية الآتية التي جعلت هبة إسحاق ويعقوب مكافأة على الاعتزال وإنما جاء إسحاق ويعقوب بعد الهجرة
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله؛ أبدله الله من هو خير منهم وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ابن إسحاق وَكُلًّا أي وكل واحد منهما جَعَلْنا نَبِيًّا لما ترك الكفار الفجار لوجهه تعالى عوّضه أولادا مؤمنين أنبياء
وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا زيادة على النبوة من مال وولد وأهل وتمكين ورعاية وغير ذلك من مظاهر الرحمة وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ أي ثناء حسنا، عبّر باللسان عما يوجد باللسان. فالكلام الصادق في حقهم، وهو الثناء عليهم، هو اللسان الصدق، ثم وصف الله هذا اللسان الصدق بقوله عَلِيًّا أي رفيعا مشهورا. قال ابن جرير: وإنما قال (عليا) لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم.