عدل)، أقول: لعلهم يتحدثون عما سيئول إليه أمر الجن بعد البلاغ والدعوة المحمدية، ومن ثم قالوا: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً أي: طلبوا هدى، قال النسفي: والتحري: طلب الأحرى أي: الأولى، قال ابن كثير: أي: طلبوا لأنفسهم النجاة
وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً أي: وقودا تسعر بهم، قال النسفي: وفيه دليل على أن الجني الكافر يعذب في النار.
[كلمة في السياق]
بهذه الآية تنتهي المجموعة الأولى من الفقرة الأولى، وبها ينتهي كلام الجن في السورة، وهو تلخيص لما استوعبوه في جلستهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسمعون القرآن دون أن يراهم، وتأتي المجموعة الثانية وهي امتداد للمجموعة الأولى، ولذلك تجد في بداية الآية اللاحقة حديثا عن القاسطين، وفي وسطها كلاما مباشرا من الله عزّ وجل، فالمجموعة الثانية تكمل كلام الجن ليتم استيفاء التلخيص لمقاصد القرآن، ومن ثم فإن المجموعة الثانية ينصب عليها قول الله عزّ وجل قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ فيكون التقدير: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ف (وأن) في بداية المجموعة الثانية معطوفة على قوله تعالى: أَنَّهُ في بداية السورة فالتقدير: قل أوحي إلي أنه ... وأن لو استقاموا على الطريقة. قال النسفي في قوله تعالى: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا: أن مخففة من الثقيلة يعني: وأنه، وهي من جملة الوحي، أي: أوحي إلي أن الشأن. وقال في أول السورة:(أجمعوا على فتح أنه- أي: الواردة في أول السورة- لأنه فاعل أوحي و (أن لو استقاموا، وأن المساجد) للعطف على أنه استمع فإن مخففة من الثقيلة.
[تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الأولى]
١ - وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا أي: القاسطون، أي: قل أوحي إلي: وأنه لو استقام القاسطون عَلَى الطَّرِيقَةِ أي: طريقة الإسلام لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً أي: كثيرا والمعنى: لوسعنا عليهم الرزق
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أي: لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ أي: عن القرآن أو التوحيد أو العبادة يَسْلُكْهُ أي: يدخله عَذاباً صَعَداً أي: شاقا، ومنه قول عمر رضي الله عنه: ما تصعدني شئ ما تصعدتني خطبة النكاح، أي: ما شق