وكل ذلك منسجم مع موضوع الآيات الأولى من سورة البقرة:
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
فلنر المجموعتين الثالثة والرابعة من المقطع الأول.
*** تفسير المجموعة الثالثة
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي تشهدونه وتفهمونه من أقرب شئ منكم وهي أنفسكم هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ أي هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكا له في ماله، فهو وهو فيه سواء أي متساوون تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي تخافون معاشر السادة عبيدكم فيها، فلا تمضون فيها حكما دون إذنهم خوفا من لائمة تلحقكم من جهتهم، كخيفتكم أنفسكم.
أي كما يخاف بعض الأحرار بعضا فيما هو مشترك بينهم، فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب، ومالك الأحرار والعبيد، أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء. قال أبو مجلز: إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذاك.
كذلك الله لا شريك له. والمعنى: إن أحدكم يأنف من ذلك، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه؟.
قال ابن كثير: هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به العابدين معه غيره، الجاعلين له شركاء، وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له، ملك له كما كانوا يقولون: (لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ... ) فنبه الله بهذا المثل على براءته تعالى، ونزاهته عن الشريك كَذلِكَ أي مثل هذا التفصيل نُفَصِّلُ
الْآياتِ
أي نبيّنها لأنّ التمثيل يكشف المعاني ويوضّحها لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي يتدبرون الأمثال.
ثم قال تعالى: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بما أشركوا أَهْواءَهُمْ أي في عبادتهم الأنداد بِغَيْرِ عِلْمٍ أي جاهلين فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي من أضله الله، أي فلا أحد يهديهم إذا كتب الله ضلالهم وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ من العذاب.
أي ليس لهم من قدرة الله منقذ ولا مجير، لأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.