عن المجاهدة، فالطريق إذن مجاهدة، يكافئ الله عليها بهداية. وهداية يكافئ الله عليها بتقوى، فنقطة البداية إذن مجاهدة النفس، ولا شك أنّ ممّا يعين على مجاهدة النفس تلاوة القرآن، والصلاة، والذكر. قال عليه الصلاة والسلام لمن سأله مرافقته في الجنة:«أعني على نفسك بكثرة السجود» وكثرة السجود تعني كثرة الصلاة، وكثرة الصلاة تعني كثرة الذكر، وقراءة القرآن.
ألست تجد في هذه الآيات وصفا للتقوى وأهلها وأركانها؟
فإذا كان الأمر كذلك، وكان الطريق إلى التقوى هو مجاهدة النفس كما رأينا، فإنّ ذلك وحده كاف للتدليل على مجموعة أمور:
١ - على صلة سورة العنكبوت بالآيات الأولى من سورة البقرة.
٢ - وعلى أنّ سورة العنكبوت تعتبر درسا في موضوع التحقق بالتقوى. ولعلّك بذلك تدرك مظهرا من مظاهر الكمال في هذا القرآن وسرا من أسرار الإعجاز.
وبمناسبة الكلام عن آية المجاهدة نقول: إن ختم الآية بقوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ يفيد أنه بقدر ما يكون الإحسان يكون التوفيق والفتح والهداية.
١٤ - [كلام المؤلف حول الصلة بين آية المجاهدة وبين موضوعات سورة العنكبوت الأخرى]
سورة العنكبوت مكية، والجهاد المفروض في مكة هو جهاد النفس وجهاد الكافرين باللسان، ثم فرض الله الجهاد باليد في المدينة، والملاحظ أن كلمة الجهاد التي وردت مرّتين في سورة العنكبوت لم تقيّد بنوع من أنواع الجهاد. ممّا يشير إلى أنّ كلّ ما يدخله الله تحت كلمة الجهاد يدخل في ذلك، ولكن تبقى مجاهدة النفس هي المراد الأول في الآية، ولا شك أن الجهاد باليد هو نوع من مجاهدة النفس إذ إنّ حمل النفس على الموت في سبيل الله من أعظم أنواع المجاهدة، ومن هذا ندرك أنّ المؤمن لا يصدق في إيمانه إلا بجهاد: للنفس وللشيطان ولأعداء الله، وهذا الذي يدل عليه الحديث الصحيح: «ما من نبي بعثه الله في أمّة قبلي إلا كان له من أمّته حواريون