الخامسة التي ستمرّ معنا إنما هي امتداد لما قبلها، فالجولة إذن تفصّل في محور السورة بشكل واضح، وهي مع تفصيلها للمحور لها سياقها الخاص بها، فهي ترينا نماذج على القهر الإلهي في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلنتذكر ونحن نقرأ ما تبقّى من الجولة:
السياق الخاصّ لها وهو: عرض نماذج من القهر الإلهي، والحكمة والعلم الإلهيين.
ولننتقل إلى المجموعة الخامسة في الجولة.
[المجموعة الخامسة]
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ. أي: لا ينسبونك إلى الكذب ولكن يكذّبون ما جئت به وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ فيه دلالة على أنهم ظلموا بجحودهم، والمعنى أن تكذيبك تكذيب لله لأنّك رسوله المصدّق بالمعجزات، فهم لا يكذّبونك في الحقيقة، وإنّما يكذّبون الله، لأن تكذيب الرّسول تكذيب للمرسل
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فتلك طبيعة النفس البشرية الكافرة في كل عصر أنها تكذّب الرّسل فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا الصبر: حبس النفس على المكروه، والمعنى: أنّهم صبروا على تكذيب قومهم وإيذائهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا. أي: استمر صبرهم حتى جاءهم النّصر، فما بعد التكذيب والإيذاء إلا النصر، وما بعد الصبر، إلا النصر، تلك سنة الله في دعوته ورسله، قال صاحب الظلال:
«إن موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم، ضارب في شعاب الزمن، ماض في الطريق اللاحب، ماض في الخط الواصب .. مستقيم الخطى، ثابت الأقدام. يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل، ويقاومه التابعون من الضالين والمتبوعون، ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة. وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء .. والموكب في طريقه لا ينحني ولا ينثني، ولا ينكص ولا يحيد .. والعاقبة هي العاقبة، مهما طال الزمن ومهما طال الطريق .. إن نصر الله دائما في نهاية الطريق».
هذه سنة الله- عزّ وجل- ولذلك عقّب الله- عزّ وجل- على قوله: حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا بقوله: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ. أي: لمواعيده في نصرة رسله وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ. أي: ولقد جاءك بعض أنبائهم وقصصهم، وما