ثم تأتي الآن مجموعة ثالثة تحدد مسألة العذر عن النفير، متى تصح ومتى لا تصح وخلال ذلك نتعرف على طبيعة النفاق وصفات المنافقين:
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ المعذر هو المقصر في الأمر المتواني عنه، الذي يوهم أن له عذرا فيما فعل، ولا عذر له، أو المعتذر، والمراد هنا الاعتذار بالباطل لِيُؤْذَنَ لَهُمْ أي في ترك الجهاد والقعود وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ هم منافقو الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا، فظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان، فالمتخلفون ثلاثة: متخلف بعذر، ومتخلف بغير عذر ولكن يستأذن، ومتخلف بغير عذر ولا يستأذن أصلا، فهذا شرهم سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من هؤلاء المتخلفين غير المعتذرين والمستأذنين غير المعذورين عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم في الدنيا وفي الآخرة،
ثم بين الله تعالى من هم المتخلفون بحق وهم معذورون عند الله بل مأجورون على نياتهم فقال لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ أي الهرمى والزمنى وَلا عَلَى الْمَرْضى فهذا النوع الثاني المقبول العذر وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ أي هم الفقراء الذين لا يستطيعون الجهاز حَرَجٌ أي إثم وضيق إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بأن آمنوا في السر والعلن وأطاعوا، كما يفعل الناصح بصاحبه ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ أي لا جناح عليهم ولا طريق للعتاب عليهم وَاللَّهُ غَفُورٌ يغفر لمن تخلف بعذر رَحِيمٌ بمن يستحق رحمته
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ أي لتعطيهم حمولة ليشاركوا في الجهاد قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فهؤلاء كذلك معذورون إن كانوا صادقين كما وصفهم الله تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ تسيل حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ فهم يتخلفون وقلوبهم تفيض أسى على التخلف، على خلاف المنافقين، يتخلفون وقلوبهم فرحة لتخلفهم، فهذه الأصناف الأربعة لا حرج عليها، ولا إثم في تخلفها واستئذانها، وهؤلاء هم أصحاب الأعذار الحقيقية، وقد بدأ الله بالأعذار الملازمة للشخص التي لا تنفك عنه، وهي الضعف في التركيب الذي لا يستطيع صاحبه معه الجهاد، ومنه العمى، والعرج، ونحوهما، ثم ثنى بما هو عارض كالمرض الطارئ، ثم ثلث بالعجز الحكمي بسبب الفقر الذاتي، أو ضيق ذات يد الإمام، فلا يقدر على تجهيز من يريد الجهاز.
ثم بين الله من لا يعذر بحال ممن ليس من هؤلاء إِنَّمَا السَّبِيلُ أي الإثم واستحقاق آثاره من عقوبات دنيوية وأخروية عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أي في