للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظروا إليك، ثم يقول له: لن يروني، لأنها لو لم تكن جائزة لما أخر موسى عليه السلام الرد عليهم. بل كان يرد عليهم وقت قرع كلامهم سمعه- لما فيه من التقرير على الكفر، وهو عليه السلام بعث لتغييره لا لتقريره ألا ترى أنهم لما قالوا له اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ لم يمهلهم بل رد عليهم من ساعته بقوله: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا: والدق والدك أخوان في المعنى وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أي وسقط مغشيا عليه فَلَمَّا أَفاقَ أي من صعقه قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ أي من سؤالي رؤيتك في الدنيا وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أي بعظمتك وجلالك وبأنك لا تعطي الرؤية في الدنيا مع جوازها. قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون ولكن يقول أنا أول من آمن بك أنك لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة قال النسفي: وهذا قول حسن له اتجاه.

قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ أي اخترتك على أهل زمانك بِرِسالاتِي أي بما أوحيه إليك لتبلغه عني كالتوراة وَبِكَلامِي أي وبتكليمي إياك فَخُذْ ما آتَيْتُكَ أي ما أعطيتك من شرف النبوة والحكمة أو من الكلام والمناجاة وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على النعمة في ذلك. فهي من أجل النعم

وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ هل المراد بها التوراة هنا أو ألواح أعطيها موسى قبل التوراة؟

قولان للعلماء والراجح أنها التوراة لوصفها بما توصف به التوراة عادة مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي كتبنا له في الألواح كل شئ كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ أي فخذ الألواح بقوة أوخذ أحكامها بقوة. أي بجد وعزيمة فعل أولي العزم من الرسل وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها أي فيها ما هو حسن وأحسن، كالقصاص والعفو والانتصار والصبر والمعنى: فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر في الثواب سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ أي دار من ظلم وهذا وعد لهم بأن ينزلهم منازل الظالمين في بلاد الشام التي وعدوها. وفي الوقت نفسه فيه طلب للاعتبار، أي لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم.

قال صاحب الظلال:

«وتختلف الروايات والمفسرون في شأن الألواح، ويصفها بعضهم أوصافا مفصلة- نحسب أنها منقولة عن الإسرائيليات التي تسربت إلى التفسير- ولا نجد في هذا كله شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكتفي بالوقوف عند النص القرآني الصادق لا نتعداه. وما تزيد تلك الأوصاف شيئا أو تنقص من حقيقة هذه الألواح، أما ما هي

<<  <  ج: ص:  >  >>