بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ أي أنا أخبركم بتفسيره عمن عنده علمه فابعثوني إليه لأسأله،
فبعثوه فجاء فقال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أي أيها البليغ في الصدق وإنما قال له ذلك لأنه ذاق وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء تفسيرها كما أول أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ أي إلى الملك وأعوانه لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ الحق في أمرها، وفضلك ومكانك من العلم فيطلقونك من محنتك،
فعند ذلك ذكر له يوسف تعبيرها من غير تعنيف للفتى في نسيانه ما وصاه به، ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك قالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أي متواليات وكلامه يفيد الأمر والتقدير: ازرعوا سبع سنين متواليات فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ كيلا يأكله السوس إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ في تلك السنين كأنه قال: إن أمامكم سبع سنين مخصبة ممطرة، فمهما استغللتم في هذه السبع السنين فادخروه في سنبله ليكون أبقى له، وأبعد عن إسراع الفساد إليه، إلا المقدار الذي تأكلونه، وليكن قليلا لا تسرفوا فيه لتنتفعوا في السبع الشداد، وهن السبع السنين المحل التي تعقب هذه السبع المتواليات
لذلك قال: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ أي ممحلات يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ أي في السنين المخصبة إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أي تحرزون وتخبئون
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد أربع عشرة سنة عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ أي يأتيهم الغيث وهو المطر وَفِيهِ يَعْصِرُونَ العنب والزيتون وغير ذلك، فيتخذون الأشربة والأدهان، أول البقرات السمات، والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة،
ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا أن العام الثامن بعد الشدة يجئ مباركا، كثير الخير، غزير النعم، وذلك من جهة الوحي وَقالَ الْمَلِكُ بعد أن رجعوا إليه بتعبير رؤياه التي كان رآها بما أعجبه وأيقنه فعرف فضل يوسف عليه السلام وعلمه ائْتُونِي بِهِ أي أخرجوه من السجن وأحضروه فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ ليخرجه من السجن قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ أي إلى الملك فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ أي إن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا الله وهو مجازيهن عليه، امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ونزاهة عرضه، مما نسب إليه، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه بل كان ظلما وعدوانا. قال النسفي: (إنما تثبت يوسف، وتأنى في إجابة الملك، وقدم سؤال النسوة؛ ليظهر براءة ساحته، عما رمي به وسجن فيه، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده، ويجعلوه سلما إلى حط