للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

وبعد أن بين الله تعالى عاقبة ترك النفر واستغناء الله ورسوله عن نصرة من لم يشارك بالنفر أصدر الله عزّ وجل أمره الجازم بالنفر فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا أي كلكم إلا من كان ذا عذر، وقد دارت عبارات المفسرين بما يفيد ذلك ومما قالوه: أي خفافا في النفور لنشاطكم وثقالا عنه لمشقته عليكم، أو خفافا لقلة عيالكم وثقالا لكثرتها، أو خفافا من السلاح وثقالا منه، أو ركبانا ومشاة، أو شبابا وشيوخا، أو مهازيل وسمانا، أو صحاحا ومراضا، والمهم أن النفرة إذا جاء الاستنفار واجبة على الجميع إلا ما استثنى الله في سورة الفتح أو ما ذكره الله في هذه السورة من قوله لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ... كما سنرى وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هذا إيجاب للجهاد بالمال والنفس إن أمكن، أو بأحدهما على حسب الحالة والحاجة والاستطاعة ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي الجهاد خير لكم من تركه إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فمن لم يعلم أن الجهاد خير، ومن لم يجاهد، فإنه جاهل.

[فوائد]

بمناسبة قوله تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا نذكر هاتين الحادثتين:

أ- قرأ أبو طلحة سورة براءة فأتى على هذه الآية انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخا وشبابا، جهزوني يا بني، فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير فدفنوه فيها.

ب- أخرج ابن جرير قال حدثني حبان بن زيد قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو- وكان واليا على حمص قبل الأفسوس- إلى الجراجمة فرأيت شيخا كبيرا هرما قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار فأقبلت إليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك، قال: فرفع حاجبيه فقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا ألا إنه

<<  <  ج: ص:  >  >>