للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَبْلى أي لا يفنى، دل ذلك على أن الرغبة في الخلود والملك نزعتان عميقتان في الطبيعة البشرية استغلها الشيطان لحرف الإنسان عن أمر الله، وهما نزعتان لا يزال الشيطان يستغلهما لصرف الإنسان عن وحي الله وكتبه، فمن أجل الخلود المزعوم نجد كثيرا من الزعماء والقادة يفعلون الكثير من الباطل على حساب الحق، ومن أجل الملك نجد الكثير يفعل الكبير من الجرائم على حساب العدل، ولا خلود ولا ملك إلا بالتزام أمر الله فذلك الملك الحقيقي، وذلك الخلود الحقيقي إن الرحمن يدل الإنسان على طريق الملك والخلود الحقيقية، وأما الشيطان فإنه يدله على طريق الملك والخلود الزائفين، ولذلك قال الله تعالى في سورة الأعراف فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ.

فَأَكَلا أي آدم وحواء مِنْها أي من الشجرة فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي فظهرت لهما عوراتهما، وفي ذلك إشارة إلى أن الستر ملازم لتنفيذ الأمر، وهذه البشرية الآن تعرت عريا فظيعا لطاعتها للشيطان في مخالفة الأمر، إن الشيطان لا يزال بمن يطيعه حتى يعريه تماما وَطَفِقا أي وشرعا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي يلزقان الورق بسوءاتهما للتستر وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى أي فضل عن الرأي

قال النسفي: (والحاصل أن العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي، وقد يكون عمدا فيكون ذنبا، وقد لا يكون عمدا فيكون زلة، ولما وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا، فكان غيا لأن الغي خلاف الرشد، وفي التصريح بقوله وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى والعدول عن قوله وزل آدم مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلفين، كأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله زلته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلا عن الكبائر).

ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ أي قربه إليه واصطفاه فَتابَ عَلَيْهِ أي قبل توبته وَهَدى أي وهداه إلى الاعتذار والاستغفار

قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً يعني آدم وحواء دل هذا على أن المعصية ولو أعقبتها توبة وقبول من الله فإنها لا تمر بلا نوع عقوبة، نسأل الله اللطف بَعْضُكُمْ يا ذرية آدم لِبَعْضٍ

عَدُوٌّ

أي بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين، والتباغي بأمراض النفوس، وفي ذلك الشقاء الذي جاءت شرائع الله لتخلص الإنسان منه فليس في اتباع الوحي الشقاء ولكن في الإعراض عنه فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً أي كتاب وشريعة، أو وحي بشكل عام فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى قال ابن عباس: (لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>