رجاه، بل يجد زبانية الله عنده يأخذونه فيلقونه إلى جهنم، فيسقونه الحميم والغساق، وهم الذين قال الله فيهم عامِلَةٌ ناصِبَةٌ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً
مما قاله النسفي نفهم أن هذا المثل هو في نوع من الكافرين رفضوا الإسلام، ويظنون أنهم على شئ كحال اليهود والنصارى بعد البعثة المحمدية مثلا.
قال ابن كثير:(وفي الصحيحين أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون؟
فيقولون: نعبد عزيزا ابن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من ولد، ماذا تبغون؟
فيقولون: يا رب عطشنا فاسقنا فيقال: ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب، يحطم بعضها بعضا، فينطلقون فيتهافتون فيها ...
وعلى هذا فإن المثل الآتي يمكن أن يكون في نوع آخر من الكفار كالملاحدة مثلا أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ فالكافر في ظلمات كثيرة من حيث إن أحواله مظلمة المصدر، مظلمة الهدف، مظلمة التركيب، مظلمة النتيجة، مظلمة الطبيعة يَغْشاهُ مَوْجٌ أي يغشى البحر موج، أي يعلوه ويغطيه، أي يغشى من فيه موج مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ أي من فوق الموج موج آخر، وفي ذلك إشارة إلى نوعين من الأمواج، وتلك معجزة قرآنية زائدة على الإعجاز العام، وسنرى ذلك في الفوائد مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ أي من فوق الموج الأعلى سحاب كَظُلُماتٍ أي هذه ظلمات، ظلمة السحاب، وظلمة الموج، وظلمة البحر بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ظلمة الموج، على ظلمة البحر، وظلمة الموج على الموج وظلمة السحاب على الموج إِذا أَخْرَجَ أي الكائن فيه يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها أي لم يقرب أن يراها، فضلا عن أن يراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً أي من لم يهده الله فَما لَهُ مِنْ نُورٍ أي ليس له هداية، شبه أعمال هذا النوع من الكافرين بظلمات متراكمة، من لج البحر والأمواج والسحاب، لكونها باطلة، ولخلوها عن نور الحق، لعدم كونها من أمر الله وهديه، ولعدم كونها مرادا بها وجهه، ومرغوبا بها إليه، وهذا يشبه عمل الملاحدة؛ فأعمالهم باطلة، وهي ليست من وحي الله وشرعه، وهؤلاء لا يؤمنون بحساب وعقاب، ومن ثم لا يريدون بعمل ما وجه الله، فهؤلاء في ظلمات لا يقاربون فيها رؤية الحق، فضلا عن أن يروه، قال أبي بن كعب في هذا الصنف: (فهو يتقلب في خمسة من الظلم، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات، إلى النار). دل هذا على أن وحي الله وحده هو النور، وهو الهدى، وأن الملحد قلبه ظلام، وعمله ظلام، ونتائج