أمر ألا يعود. والمراد بذلك كل فرد من آحاد الأمة أن لا يجلس مع المكذّبين الذين يحرّفون آيات الله، ويضعونها على غير مواضعها، فإن جلس أحد معهم ناسيا فلا يقعد بعد التذكير مع القوم الظالمين. ثمّ وعد الله المتقين أنهم إذا تجنّبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك فقد برءوا من عهدتهم، وتخلّصوا من إثمهم. ثمّ بيّن الله تعالى حكمة الأمر بالإعراض عن الذين يخوضون بآيات الله، أنه من أجل أن يتقوا ذلك ولا يعودوا إليه، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يترك، ويدع، ويعرض، ويمهل المتخذين دينهم لعبا ولهوا، والمغرورين بالحياة الدنيا، ثم أمره أن يذكّر الناس بهذا القرآن، وأن يحذرهم نقمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة، من أجل أن تنجو الأنفس ولا تهلك يوم تحبس عن الخير ودرك المطلوب، إذ لا قريب ولا أحد يشفع لنفس كافرة ولو بذلت كل مبذول. ثمّ بيّن تعالى كيف أنّ هؤلاء الذين لا يقبلون التذكير يهلكون بكسبهم السيئ، وأن لهم شرابا من حميم وعذابا أليما بسبب كفرهم. ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن أنّه لا يدعو- هو ولا المسلمون- من دون الله أحدا، وكيف يفعلون وهم يعلمون أنّه لا يضرّ ولا ينفع إلا الله، وكيف يفعلون فيرتدّون بعد إذ هداهم الله، إنهم لن يفعلوا ذلك فيكونوا كالمستجيبين لدعوة الشياطين، الذين يزعمون للإنسان- في حالة حيرته وضلاله- أنهم يدعونه إلى الحق والهدى، وهم كاذبون، إذ لا هدى إلا هدى الله الذي استجاب له الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون، وهو الذي أمرهم بالإسلام له- جل جلاله- كما أمرهم أن يقيموا الصلاة ويتقوه إذ هو الذي إليه المرجع.
ثمّ ختم الله- عزّ وجل- هذا المقطع كله بتقرير أنّه هو الذي خلق السموات والأرض بالعدل، فهو مالكهما وخالقهما، والمدبّر لهما ولمن فيهما وكما ذكر بدء الخلق بقدرته، فقد ذكّر في هذا المقام أنه كذلك الخالق ليوم القيامة، ثم ذكر الله أن من صفاته- عزّ وجل- أن قوله الحق وله الملك، وأظهر ما يظهر هذا لخلقه يوم ينفخ في الصور. ثم وصف ذاته بأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الحكيم الخبير
[كلمة في السياق]
إن السياق الخاص للمقطع كله بجولتيه يكاد يكون عرضا لمظاهر من قهر الله وحكمته وعلمه، وهي المعاني التي ذكرتها أول آية فيه، ولذلك رأينا في المقطع مظاهر من قهره عزّ وجل في الدنيا وفي الآخرة، ورأينا استعراضا لمظاهر من علمه، ولمظاهر من