قالوا عن بعض الكتاب إنه حق وعن بعضه إنه باطل. أو اختلفوا في فهمه، فكتموا الفهم الصحيح حسدا وبغيا. وأظهروا الفهوم الباطلة، جزاء هؤلاء لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ: أي لفي اختلاف بعيد عن الحق والهدى.
[فوائد]
١ - لقد اختلفت أمتنا اليوم في الكتاب: فمن كافر به، ومن مؤمن ببعضه وكافر ببعض سلوكا وعملا إن لم يكن اعتقادا. فكان من آثار ذلك ما نراه مما أخبر عنه القرآن من الشقاق البعيد المتمثل في الحروب الداخلية والفتن والاختلافات في الآراء والأهواء. نسأل الله عزّ وجل أن نكون من الفئة الظاهرة على الحق الناجية التي لا يضرها من خذلها أو خالفها.
٢ - عند ما نظهر الحق قد نخسر في الظاهر قليلا، والدنيا كلها قليل. ولكن هذه الخسارة الظاهرة ربح في الدنيا والآخرة. فهؤلاء اليهود في عصر النبوة أول من تنطبق عليهم الآيات وأول من انطبقت عليهم. كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من الهدايا والتحف على تعظيمهم آباءهم. فخشوا- لعنهم الله- إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاء على ما يحصل لهم من ذلك وهو نزر يسير. فباعوا أنفسهم بذلك، واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله بذلك النزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا: فإن الله أظهر لعباده صدق رسوله بما نصبه وجعل معه من الآيات الظاهرات والدلائل القاطعات. فصدقه الذين كانوا يخافون عليهم أن يتبعوه، وصاروا عونا له على قتالهم وباءوا بغضب على غضب، وفي الآخرة رأينا ما هو عذابهم بما خالفوا هذا الرسول الخاتم وكذبوه، وجحدوا وكتموا صفته.
٣ - أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة حديثا يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا آخرين يستحقون عذاب هؤلاء الكاتمين. يقول عليه الصلاة والسلام:«ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر».
وفي الصحيح حديث يذكر كذلك عذاب نوع من الناس يشبه عذاب هؤلاء