للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قال النسفي: أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم، وجهره باهرا لجهركم، حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته لديكم واضحة) وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي: لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض. قال النسفي: (أي إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول اللين المقرب من الهمس الذي يضاد الجهر، أو لا تقولوا له: يا محمد، يا أحمد، وخاطبوه بالنبوة والسكينة والتعظيم) وقال النسفي: (لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص، أعني: الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها) وقال ابن كثير: (نهى من الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه، بل يخاطبه بسكينة ووقار وتعظيم) قال ابن كثير: (يكره رفع الصوت عند قبره صلّى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه محترم حيا وفي قبره صلّى الله عليه وسلم دائما) ثم قال تعالى معللا للنهي عن رفع الصوت أو الجهر له بالقول كجهر البعض للبعض أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي: انتهوا عمّا نهيتم عنه، خشية حبوط أعمالكم وأنتم لا تشعرون بذلك، قال ابن كثير: (أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك؛ فيغضب الله تعالى لغضبه؛ فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري) وقال الألوسي (وقال أبو حيان: إن كانت الآية بمن يفعل ذلك استخفافا فذلك كفر يحيط معه العمل حقيقة، وإن كانت للمؤمن الذي يفعله غلبة وجريا على عادته فإنما يحبط عمله البر في توقير النبي صلّى الله عليه وسلم، وغض الصوت عنده أن لو فعل ذلك كأنه قيل: مخافة أن تحبط الأعمال التي هي معدة أن تعملوها فتؤجروا عليها، ولا يخفى ما في الشق الثاني من التكلف البارد، ثم إن من الجهر ما لم يتناوله النهي بالاتفاق وهو ما كان منهم في حرب، أو مجادلة معاند، أو إرهاب عدو، أو ما أشبه ذلك مما لا يتخيل منه تأذ أو استهانة، ففي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال للعباس بن عبد المطلب لما ولّى المسلمون يوم حنين: «ناد أصحاب السمرة» فنادى بأعلى صوته أين أصحاب السمرة، وكان رجلا صيتا).

<<  <  ج: ص:  >  >>