للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِالَّذِي قُلْتُمْ أي: بالقربان الذي أكلته النار، فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ. أي: فلم قابلتموهم بالتكذيب والمعاندة والقتل، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. أي: في دعواكم أنكم تتبعون الحق، وتنقادون للرسل إن فعلوا ما طلبتم. فإذا كان هذا فعلكم بمن هو منكم، فكيف يكون فعلكم بمن ليس منكم إن قدرتم عليه، ولا شك أن كلامهم محض افتراء وتعنت، فالمعجزة معجزة أيا كانت، والله- عزّ وجل- هو الذي يختار المعجزة التي تشهد على صدق رسله، وعلى الخلق أن يؤمنوا.

ثم قال تعالى مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ. أي: فإن كذبك اليهود فلا يهولنك ذلك، فقد فعلت أقوام برسلها وأنبيائها كذلك مع كونهم جاؤُ بِالْبَيِّناتِ. أي:

بالمعجزات الظاهرات وَالزُّبُرِ. أي: الكتب المتلقاة من السماء وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ. أي: الواضح الجلي المضئ. والملاحظ أن الزبر، والكتاب، بمعنى واحد، فما الفارق بينهما؟. قال النسفي: قيل هما واحد في الأصل، وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين فالزبور كتاب فيه حكم زاجرة، والكتاب المنير هو الكتاب الهادي.

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. أي: ما من نفس إلا وستموت، وستعطون ثواب أعمالكم على الكمال يوم القيامة، فإن الدنيا ليست بدار جزاء. قال النسفي رابطا بين هذه الآية وما قبلها: والمعنى: لا يحزنك تكذيبهم إياك، فمرجع الخلق إلي فأجازيهم على التكذيب، وأجازيك على الصبر. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ. أي: أبعد، إذ الزحزحة: الإبعاد وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ. أي: ظفر بالخير. فمن جنب النار ونجا منها، وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز. وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ. أي: صغير شأنها، حقير أمرها، دنيئة فانية، قليلة زائلة.

شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام، ويغرر حتى يشتريه، ثم يتبين له فساده، ورداءته، والشيطان هو المدلس الغرور.

وعن سعيد بن جبير: إن هذا لمن آثرها على الآخرة، فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ. أي: لتختبرن في الأموال والأنفس، أما في الأموال فبما يقع بها من آفات، أو بما يصادر منها في سبيل الله، أو بما ينفق منها في سبيل الله، وأما في الأنفس، فبالقتل والأسر والجراح، وما يرد عليها من أنواع المخاوف والمصائب. قال ابن كثير: أي لا بد أن يبتلى المؤمن في شئ من ماله، أو نفسه، أو ولده، أو أهله، ويبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء. وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. أي: اليهود

<<  <  ج: ص:  >  >>